• قال أبو حيان: فإن كانت في الكفار فالخلود خلود تأبيد، أو في مسلم عاص فخلوده دوام مكثه لا التأييد.
• وقال ابن عاشور: وجُعل العائد خالداً في النار إما لأنّ المراد العود إلى قوله (إنما البيع مثل الربا)، أي عاد إلى استحلال الربا وذلك نِفاق؛ فإنّ كثيراً منهم قد شقّ عليهم ترك التعامل بالربا، فعلم الله منهم ذلك وجعَل عدم إقلاعهم عنه أمارة على كذب إيمانهم، فالخلود على حقيقته.
وإما لأنّ المراد العود إلى المعاملة بالربا، وهو الظاهر من مقابلته بقوله (فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى) والخلود طول المكث كقول لبيد:
فوقفْتُ أسألُها وكيفَ سؤالُنا … صُمّاً خَوَالِدَ ما يَبِين كلامُها.
ومنه: خلَّد الله مُلك فلان.
ولما كان المرغب في الربا ما فيه من الربح الناجز المشاهد، والمفتر عن الصدقة كونها نقصاً محققاً بالحس بيّن أن الربا وإن كان بصورة الزيادة فهو نقص وأن الصدقة وإن كانت بصورة النقص فهي زيادة لأن ذلك إنما هو بيده سبحانه وتعالى فما شاء محقه وإن كان كثيراً أو ما أراد نماه وإن كان يسيراً فقال كالتعليل للأمر بالصدقة والنهي عن الربا ولكون فاعله من أهل النار:
(يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا) أي: يذهبه، إما بأن يذهب بالكلية من يد صاحبه، أو يُحْرمَ بركة ماله فلا ينتفع به، بل يعذبه به في الدنيا ويعاقبه عليه يوم القيامة. (المحق نقصان الشيء حالاً بعد حال).
كما قال تعالى (وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ).
وقال تعالى (وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ).
• قال السمرقندي: يقال: إن مال آكل الربا لا يخلو من أحد أوجه ثلاثة، إما أن يذهب عنه أو عن ولده، أو ينفقه فيما لا يصلح.
(وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ) أي: ويكثرها وينميها.
• قال القرطبي: (وَيُرْبِي الصدقات) أي يُنَمِّيها في الدنيا بالبركة ويُكثر ثوابَها بالتضعيف في الآخرة.
• قال ابن عطية: وقد جعل الله هذين الفعلين بعكس ما يظنه الحريص الجشع من بني آدم، يظن الربا يغنيه وهو في الحقيقة ممحق، ويظن الصدقة تفقره وهي نماء في الدنيا والآخرة.
عن أَبَي هُرَيْرَةَ قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- (مَا تَصَدَّقَ أَحَدٌ بِصَدَقَةٍ مِنْ طَيِّبٍ - وَلَا يَقْبَلُ اللَّهُ إِلاَّ الطَّيِّبَ - إِلاَّ أَخَذَهَا الرَّحْمَنُ بِيَمِينِهِ وَإِنْ كَانَتْ تَمْرَةً فَتَرْبُو فِي كَفِّ الرَّحْمَنِ حَتَّى تَكُونَ أَعْظَمَ مِنَ الْجَبَلِ كَمَا يُرَبِّى أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ أَوْ فَصِيلَهُ) متفق عليه.
(وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ) أي: لا يحب كفور القلب أثيم القول والفعل.