للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ) أي: يُطلعكم عليه، ويخبركم به ويظهره لكم، لأنه عز وجل لا تخفى عليه خافية، فالسر والعلانية عنده سواء.

قال تعالى (سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ).

وقال تعالى (قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).

وقال تعالى (رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ وَمَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ)

وقال تعالى (وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ).

وقال تعالى (وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى).

وقال تعالى (إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ).

• ذهب بعض العلماء إلى أن هذه الآية منسوخة.

كما تقدم في حديثي أبي هريرة وابن عباس، وهذا جاء عن ابن عمر وابن عباس، فقد روى البخاري عن ابن عمر أنه قال فيها: نسختها الآية التي بعدها.

• قال ابن الجوزي: وهذا قول ابن مسعود، وأبي هريرة، وابن عباس في رواية، والحسن، والشعبي، وابن سيرين، وسعيد بن جبير، وقتادة، وعطاء الخراساني، والسدي، وابن زيد.

ورجحه في التسهيل، وقال: والصحيح التأويل الأوّل لوروده في الصحيح، وقد ورد أيضاً عن ابن عباس وغيره، فإن قيل: إنّ الآية

خبر والأخبار لا يدخلها النسخ، فالجواب: أنّ النسخ إنما وقع في المؤاخذة والمحاسبة وذلك حكم يصح دخول النسخ فيه، فلفظ الآية خبر.

وذهب بعضهم إلى أنها غير منسوخة، وإنما هي في حق كاتم الشهادة.

ومن العلماء من قال: إن المنسوخ منها ما يتعلق بحديث النفس والوساوس والشكوك لقوله -صلى الله عليه وسلم- (إن الله تجاوز عن أمتي ما وسوست به صدورها مالم تعمل أو تكلم).

ومن العلماء من قال: لم تنسخ، ولكن لا يلزم من المحاسبة المؤاخذة.

وقال الضّحاك: يعلمه الله يوم القيامة بما كان يسره ليعلم أنه لم يخف عليه.

وفي الخبر: إن الله تعالى يقول يوم القيامة هذا يومٌ تبلى فيه السرائر وتخرج الضمائر وأن كُتَّابي لم يكتبوا إلاَّ ما ظهر من أعمالكم وأنا المطّلع على ما لم يطلعوا عليه ولم يُخْبُروه ولا كتبوه فأنا أخبركم بذلك وأُحاسبكم عليه فأغفر لمن أشاء وأعذب من أشاء فيغفر للمؤمنين ويعذب الكافرين، وهذا أصح ما في الباب، يدل عليه حديث النجوى:

عن ابن عمر. قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول (يُدْنَى الْمُؤْمِنُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ حَتَّى يَضَعَ عَلَيْهِ كَنَفَهُ فَيُقَرِّرُهُ بِذُنُوبِهِ فَيَقُولُ هَلْ تَعْرِفُ فَيَقُولُ أَيْ رَبِّ أَعْرِفُ. قَالَ فَإِنِّي قَدْ سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا وَإِنِّي أَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ. فَيُعْطَى صَحِيفَةَ حَسَنَاتِهِ وَأَمَّا الْكُفَّارُ وَالْمُنَافِقُونَ فَيُنَادَى بِهِمْ عَلَى رُءُوسِ الْخَلَائِقِ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ) متفق عليه.

وقال الثعالبي: ورجَّح الطبريُّ أنَّ الآية محكَمَةٌ غير منْسُوخة.

<<  <  ج: ص:  >  >>