والثانية: أن ضياء النار يحتاج في دوامه إلى مادة الحطب، فهو له كغذاء الحيوان، فكذلك نور الإيمان يحتاج إِلى مادة الاعتقاد ليدوم.
والثالثة: أن الظلمة الحادثة بعد الضوء أشد على الإنسان من ظلمة لم يجد معها ضياء، فشبه حالهم بذلك.
• قال الخازن: فإن قلت ما وجه تشبيه الإيمان بالنور والكفر بالظلمة؟ قلت: وجه تشبيه الإيمان بالنور أن النور أبلغ الأشياء في الهداية إلى المحجة القصوى وإلى الطريق المستقيم وإزالة الحيرة وكذلك الإيمان هو الطريق الواضح إلى الله تعالى وإلى جنانه، وشبه الكفر بالظلمة لأن الضال عن الطريق المسلوكة في الظلمة لا يزداد إلاّ حيرة وكذلك الكفر لا يزداد صاحبه في الآخرة إلاّ حيرة.
(صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ) الأصم: هو الذي لا يسمع، والأبكم: هو الذي لا ينطق، والأعمى: هو الذي لا يبصر.
والمراد بالآية: صم عن استماع الحق، وبكم عن النطق بالخير والإيمان فهم لا يتكلمون به، وعمي لا بصائر لهم يميزون بها بين الحق والباطل، فلما كانوا غير منتفعين بسمعهم وأبصارهم وألسنتهم وأفئدتهم وصفوا بأنهم صم بكم عمي، وهذا كما قال تعالى (وجعلنا لهم سمعاً وأبصاراً وأفئدة فما أغنى عنهم سمعهم ولا أبصارهم ولا أفئدتهم من شيء إذ كانوا يجحدون بآيات الله وحاق بهم ما كانوا به يستهزءون)، وكما قال تعالى (لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها).
• قال بعض العلماء: لما لم ينتفعوا بأسماعهم وأبصارهم وقلوبهم نزلوا بمنزلة من لا سمع له ولا بصر ولا عقل.
• قال ابن عطية: ووصفهم بهذه الصفات إذ أعمالهم من الخطأ وقلة الإجابة كأعمال من هذه صفته.
• وقال النسفي: .... فكأنهم صم بكم عمي، ولأن الله تعالى خلق السمع والبصر واللسان لينتفعوا بهذه الأشياء، فإذا لم ينتفعوا بالسمع والبصر صار كأن السمع والبصر لم يكن لهم، كما أن الله تعالى سمى الكفرة موتى حيث قال تعالى (أَوَمَن كَانَ مَيْتًا فأحييناه وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي الناس كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظلمات لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ للكافرين مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) يعني كافراً فهديناه؛ وإنما سماهم موتى والله أعلم لأنه لا منفعة لهم في حياتهم، فكأن تلك الحياة لم تكن لهم، فكذلك السمع والبصر واللسان، إذا لم ينتفعوا بها فكأنها لم تكن لهم، فكأنهم صم بكم عمي فهم لا يرجعون، يعني لا يرجعون إلى الهدى.
• وقال الشنقيطي: قوله تعالى (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ) الآية هذه الآية يدل ظاهرها على أن المنافقين لا يسمعون ولا يتكلمون ولا يبصرون، وقد جاء في آيات أخر ما يدل على خلاف ذلك كقوله تعالى (وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ) وكقوله (وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِم) الآية، أي لفصاحتهم وحلاوة ألسنتهم، وقوله (فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَاد) إلى غير ذلك من الآيات، ووجه الجمع ظاهر، وهو أنهم بكم عن النطق بالحق وإن رأوا غيره، وقد بين تعالى هذا الجمع بقوله (وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعاً
وَأَبْصَاراً وَأَفْئِدَةً) الآية، لأن مالا يغني شيئا فهو كالمعدوم والعرب ربما أطلقت الصمم على السماع الذي لا أثر له.