• قال ابن عاشور: قوله (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ) الإشارة إلى توليهم وإعراضهم، والباء للسببية: أي إنهم فعلوا ما فعلوا بسبب زعمهم أنهم في أمان من العذاب إلا أياما قليلة، فانعدم اكتراثهم باتباع الحق؛ لأن اعتقادهم النجاة من عذاب الله على كل حال جرأهم على ارتكاب مثل هذا الإعراض. وهذا الاعتقاد مع بطلانه مؤذن أيضاً بسفالة همتهم الدينية، فكانوا لا ينافسون في تزكية الأنفس، وعبر عن الاعتقاد بالقول دلالة على أن هذا الاعتقاد لا دليل عليه وأنه مفترى مدلس، وهذه العقيدة عقيدة اليهود، كما تقدم في البقرة.
(وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ) أي: ثَبَّتهم على دينهم الباطل ما خدعوا به أنفسهم من زعمهم أن النار لا تمسهم بذنوبهم إلا أياما معدودات، وهم الذين افتروا هذا من تلقاء أنفسهم وافتعلوه، ولم ينزل الله به سلطاناً.
(فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ) أي: كيف يكون حالهم وقد افتروا على الله وكذبوا رسله وقتلوا أنبياءه والعلماء من قومهم، الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، والله تعالى سائلهم عن ذلك كله، ومحاسبهم عليه، ومجازيهم به؛ ولهذا قال (فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ) لا شك في وقوعه.
(وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ) أي: وأعطيت كل نفس من البشر والجن ما كسبت من خير أو شر.
(وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ). فلا ينقصون من حسناتهم، ولا يزاد عليهم في السيئات، ولا يعاقبون بظلم غيرهم.