للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ) أي: تجعله ذليلاً.

(بِيَدِكَ الْخَيْرُ) كله.

• لماذا لم يذكر الشر مع أن الشر بيده تعالى؟

قيل: ولم يذكر الشر تعليماً لعباده الأدب في خطابه، وترغيباً لهم في الإقبال عليه والإعراض عما سواه، لأن العادة جارية بأن الناس أسرع شيء إلى معطي النوال وباذل الأموال، وتنبيهاً على أن الشر أهل للإعراض عن كل شيء من أمره حتى عن مجرد ذكره وإخطاره بالبال، مع أن الاقتصار على الخير يملك الخير كله مستلزم لمثل ذلك في الشر، لأنهما ضدان، كل منهما مساوٍ لنقيض الآخر، فإثبات أحدهما نفي للآخر ونفيه إثبات للآخر، فلا يعطى الخير إلا وقد نفي الشر، ولا ينزع الخير إلا وقد وضع الشر - والله سبحانه وتعالى أعلم.

• قال ابن القيم: وأخطأ من قال المعنى بيدك الخير والشر لثلاثة أوجه:

أحدها: أنه ليس في اللفظ ما يدل على إرادة هذا المحذوف بل ترك ذكره قصدا أو بيانا أنه ليس بمراد،

الثاني: أن الذي بيد الله تعالى نوعان فضل وعدل كما في الحديث الصحيح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- (يمين الله ملأى لا يغيضها نفقة سحاء الليل والنهار أرأيتم ما أنفق منذ خلق الخلق فإنه لم يغض ما في يمينه وبيده الأخرى القسط يخفض ويرفع) فالفضل لإحدى اليدين والعدل للأخرى وكلاهما خير لا شر فيه بوجه.

الثالث: أن قول النبي -صلى الله عليه وسلم- لبيك وسعديك والخير في يديك والشر ليس إليك كالتفسير للآية ففرق بين الخير والشر وجعل أحدهما في يدي الرب سبحانه وقطع إضافة الآخر إليه مع إثبات عموم خلقه لكل شيء.

وقد أجاب الشيخ حافظ بن أحمد حكمي عن سؤال مفاده: ما معنى قول النبي -صلى الله عليه وسلم- (والخير كله في يديك والشر ليس إليك) مع أن الله سبحانه خالق كل شيء؟، فقال: "معنى ذلك أن أفعال الله عز وجل - كلها خير محض، من حيث اتصافه بها، وصدورها عنه، ليس فيها شر بوجه؛ فإنه تعالى حكم عدل، وجميع أفعاله حكمة وعدل، يضع الأشياء مواضعها اللائقة بها، كما هي معلومة عنده - سبحانه وتعالى - وما كان في نفس المقدور من شر فمن جهة إضافته إلى العبد؛ لما يلحقه من المهالك؛ وذلك بما كسبت يداه جزاء وفاقاً.

<<  <  ج: ص:  >  >>