وقال قاضي حَماة ابنُ واصل: كان ابن دحية مع فَرْط معرفته بالحديث، وحفظه الكثير له، متَّهمًا بالمجازفة في النقل، وبلغ ذلك الملكَ الكاملَ، فأمره أن يعلِّق شيئًا على كتاب "الشهاب" فعلق كتابأ تكلَّم فيه على أحاديثه وأسانيده، فلما وقف الكامل على ذلك، قال له بعد أيام: قد ضاع منّي ذاك الكتاب، فعلِّق لي مثله، ففعل، فجاء في الكتاب الثاني مناقضة للأول، فعرف السلطان صحةَ ما قيل عنه، وعَزَله من دار الحديث الكاملية آخرًا، ثم ولى أخاه أبا عَمْرو عثمانَ.
قلت: وقيل: إنما عزله لأنه حَصَل له تغيّر ومبادئ اختلاط.
وله عدة كُنى: أبو الفضل، أبو حفص، أبو علي الدّاني الكلبي، وكان يحمق ويتكبَّر، ويكنِّي نفسه، ويكتب:"ذو النِّسبتين، بين دحية والحسين". فلو صدق في دعواه، لكان ذلك رُعونة، كيف وهو متَّهم في انتسابه إلى دحية الكلبي الجُمَيِّل صاحبِ رسول الله ﷺ!
وإنما جَرّأه على ذلك، لأنه كَلْبي، نسبةً إلى موضعٍ من ساحل دانية، ويقال: الكَلْفي بين الفاء والباء، ولهذا كان يكتب أولَّا:"الكلبيّ معًا".
وأما انتسابه إلى الحسين ﵇، فهو أنه من قبل جدّه لأمه، فإن جدَّه عليًّا، هو الملقَّب بالجُمَيِّل، تصغيرًا للجَمَل بالعبارة المغربية، وكان طويلًا أعنَق، فوالدة الجميّل هي ابنةُ الشريف أبي البَسَّام العلوي الحسيني الكوفي ثم الأندلسي. وكان والده الحسنُ بن علي تاجرًا من أهل دانية، قرأ القرآن على جده لأمه الشيخ عتيق بن محمد.
قال ابن مَسْدي: رأيت الحُذّاق من علماء المغرب، لا يزيدون على ذكر جدّهم فَرْح إلَّا التعريفَ ببني الجُمَيِّل، وقد كان أخوه أبو عمرو عثمانُ، يلقب بالجَمَل ابن الجميّل.