للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فما رأيته شكَى أو تشكَّى، ولا ثناه ذلك عن الإنتاج العلمي، بل تجمَّل بالصبر والتسليم، والمثابرة على التأليف والتحقيق، مخافة أن يدركه الأجل، ولم يخرج ما في صدره من الكتب.

ثم في آخر حياته وقبل أربعة أشهر من وفاته أصيب بانفصال الشبكية في عينه اليمنى، وفَقَد بصره فيها، ثم أُجري لها عملية جراحية لم تكلل بالنجاح، وإنما أعقبته ألمًا شديدًا في عينه ورأسه، وصَفَه كرمي السِّهام، فما سمعته صرخ أو تأوَّه، وإنما كان يقول إذا اشتد الألم كثيرًا جدًّا: يا الله! لا إله إلَّا الله!

وكان جَلْدًا على العلم قراءة ومطالعة وتأليفًا لا يغادره القلم والقِمَطْر في حله وسفره وصحته ومرضه، وقد ألَفَ وأنهى بعض كتبه في أسفاره الكثيرة كما دوّن في مقدمات بعض كتبه، وقبل دخوله المستشفى بيوم كان -وهو يعارك الآلام- يضيف في كتابه الماتع "الرسول المُعَلَّم وأساليبه في التعليم "، كما كان يكثر السؤال وهو في المستشفى عن كتاب "لسان الميزان "، كما أنه كتب مقدمة "لسان الميزان" قبل عشرين يومًا من وفاته!

وكان قليل النوم يستكثر ساعات نومه مع قلتها، وكان في شبابه يواصل اليوم واليومين، كما ذكر لي عدة مرات.

وهاتان الصفتان الأخيرتان تدلان على صفة أخرى، وهي: حرصه على الوقت، فهو حريص على وقته أشد من حرصه على ماله، كما تدلُّ الأخيرة على نهمه العلمي الشديد.

وكان لا يأمر بأمر إلَّا ويأتيه، ولا ينهى عن شيء إلَّا ويجتنبه.

وكان ذكيًا ألمعيًا ذا حافظة قوية، وذهن متقد مع عمل بالعلم، وعبادة وتقوى وصلاح وورع، وتواضع جمٍّ لطلّابه وتلاميذه، عوضًا عن مشايخه وعلماء الإسلام، فلا يرى نفسه في جنبهم شيئًا يذكر.

<<  <  ج: ص:  >  >>