وقال عمر بن شبة: حدثني أبي قال: خرج ابن مناذر يومًا بعد صلاة التراويح، وخرج عبد المجيد خلفه، فلم يزل يحدِّثه إلى الصبح وهما قائمان، إذا انصرف عبد المجيد، شيَّعه ابن مناذر إلى منزله، فإذا بلغه وانصرف ابن مناذر شيعه عبد المجيد إلى منزله، لا يطيبُ أحدهما نَفْسًا بفراق صاحبه.
ولما مرض عبد المجيد، كان ابن مناذر يتولى أمره بنفسه، فيقال: إنه أسخن له ماء حارًا ليشربه، فجعل يَئِن بصوت ضعيف، فوضع ابن مناذر يده في ذلك الماء الحار، وجعل يتأوَّه كلما تأوَّه عبدُ المجيد، فما خرجت يدُه من الماء حتى كادت أن تحترق، ثم عوفي عبد المجيد بعد ذلك، إلى أن تردَّى من سطح فمات، فجزع عليه ابن مناذر، ورثاه بقصيدة طَنِّانة، وكان الناس يُعجَبون بها ويستحسنونها.
وقال نصر بن علي الجَهْضَمي: حدثني محمد بن عباد المهلبي قال: شهد بكر بن بكار عند عبيد اللّه بن الحسن العنبري بشهادة، فتبسم ثم قال له: يا بكرُ ما لَكَ ولابن مناذرٍ حيثُ يقول:
أعوذ باللّه من النارِ … ومنك يا بكرُ بنَ بَكَّارِ
فقال: أصلحك اللّه، ذاك رجل شاعر خليع لا يبالي ما قال، قال: صدقتَ، وقبل شهادته.
قال: ولقي العنبريُّ ابن مناذر، فحلف له ابن مناذر وأغلظَ أن كلَّ من يعرف بكر بن بكار يقول فيه كقوله فيه، فاستعظم ذلك القاضي واغتمّ، قال (١): فلقيت ابن مناذر فسألته عن ذلك، فقال: نعم، كلُّ من يعرفه يقول: أعوذ بالله من النار، حَسْبُ.