وجهه على الأرض، ثم رفع رأسه ومَسَح وجهه وقال: سبحان مَنْ تكلَّم بهذا في القِدَم، فصبرتُ ساعة ثم سلَّمت عليه، فردَّ وقال: متى أتيتَ؟ فقلت: الساعةَ، فقلتُ: أرى في وجهك أَثَرَ غَيظ، فقال: لا يا أبا الفتح، بل تلوتُ شيئًا من كلام الخالق، وأنشدتُ شيئًا من كلام المخلوق، فلَحِقني ما ترى. فتحقَّقْتُ صحةَ دينه وقوةَ يقينه.
قال السِّلَفي: وسمعت أبا المكارم بأَبْهَر - وكان من أفراد الزَّمان، ثقةً مالكيَّ المذهب - قال: لما توفي أبو العلاء اجتمع على قبره ثمانونَ شاعرًا، وخُتم في أسبوع واحد عند القبر مئتا خَتْمة.
قال السِّلفي: سمعتُ أبا زكريا التِّبْرِيزي يقول: لما قرأت على أبي العلاء بالمعرة قولَه:
يدٌ بخَمْسِ ميء من عَسْجَدٍ فُدِيَتْ … ما بالُها قُطِعَتْ في رُبْعِ دينارِ
تناقُضٌ ما لنا إلَّا السُّكُوت له … وأنْ نَعوذَ بمولانا من النارِ
سألته عن معناه فقال: هذا مِثْلُ قولِ الفقهاء: عِبادةٌ لا يُعْقَل معناها.
قال السِّلَفي: إن كان قال هذا الشعر معتَقِدًا معناه: فالنارُ مأواهُ، وليس له في الإِسلام نصيب، هذا إلى ما يُحكى عنه في كتاب "الفُصُول والغايات"، وكأنه معارَضَةٌ منه للسُّوَر والآيات، فقيل له: ليس هذا مثل القرًان، فقال: لم تَصْقُلْه المحاريبُ أربع مئة سنة.
قال السِّلَفي: وفي الجملة، كان من أهل الفضل الوافر، والأدب الباهر، والمعرفةِ بالنَّسَب وأيامِ العرب، قرأ القرآن برواياتٍ، وسمع الحديثَ بالشام على ثقات، وله في التوحيد وإثباتِ النبوةِ وما يَحُضّ على الزهد شعرٌ كثير، والمُشْكِلُ منه - على زَعْمِه - له تفسير.
روى عنه أبو القاسم التَّنوخي وهو من أقرانه، والخطيبُ أبو زكريا