قال أبو حيان: ولقد كتب إليه بعض الأكابر رسالة يؤنِّبه فيها على طريقته، يقول فيها: لأَنَّك تظهر القولَ بالوعيد، ثم ترتكب كل كبيرة، أيها المُدِلُّ بالتوحيد والعَدْل، أفي العدل أن ترتكب قتلَ النفس المحرَّمة، وتخدُم الظَّلَمةَ الغَشَمَة، إلى غير ذلك من المنهيات، أكان هذا في مذهب أسلافك، كواصل بن عَطاء، وعَمْرو بن عُبيد، والجَعْفَرَيْن؟
قال أبو حيان: بلغ من نذالته أنه قضى لشخص حاجة بعَشْرِ باذِنْجَات، والمئةُ باذنجانة إذ ذاك بدانقٍ. قال: وشاع في أيامه الجدالُ والمِراءُ والشَّكُّ والإِلحاد، لأنه مَنَع أهلَ القَصَص والتذكير والرَّقائق من الكلام، ومَنَع من رواية الحديث، وقال: الحديثُ حَشْو، وطَرَدهم وأجلَسَ التُّجار، يَخْدَع الدَّيْلَم ويزعُم أنه على مذهب زيد بن علي، ثم صار يجلس لأصحاب الحديث، ويُفْسِدُ ويَكذِبُ ويَختلقُ الأسانيد.
وكان يقول: ولدتُ والشِّعْرَى في طَالِعِي، فلولا دقيقة أدركتُ النبوة، ولقد أدركتُها إذ قمتُ بالذَّبِّ عنها.
قال: وقال يومًا وقد سُئل عن إفراطه في محبة الطِّيب والجِماع: إنما أفعله اقتداءً بالنبي ﷺ، لأنه قال:"حُبِّب إليَّ من دنياكم ثلاث: الطِّيب والنساءُ". قالوا: فإن بقية الحديث: "وجُعِلَتْ قُرَّة عَيني في الصلاة"، وأنتَ لا تُصَلِّي؟! قال: يا حَمْقَى لو صَلَّيتُ كنتُ نبيًّا.
قال: وكان يقول: إني لشديدُ الحسرة على فَوْتِ لقاءِ أبي حامدٍ المرورُّوذي (١)، ومما يَزِيدني عَجَبًا فيه، أنه كان على مذهب أصحابنا، ولو أنه نَصَر في الفقه مذهبَ أبي حنيفة لكان أكملَ أهلِ زمانه.
(١) في الأصول: "المروزي" والتصويب من "طبقات الشافعية الكبرى" ٣: ١٢.