• قال ابن عاشور: قوله تعالى (هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ) أي: في ذلك المكان، قبل أن يخرج، وقد نبهه إلى الدعاء مشاهدة خوارق العادة مع قول مريم (إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ) والحكمة ضالة المؤمن، وأهل النفوس الزكية يعتبرون بما يرون ويسمعون، فلذلك عمد إلى الدعاء بطلب الولد في غير إبانه، وقد كان في حسرة من عدم الولد كما حكى الله عند في سورة مريم، وأيضاً فقد كان حينئذ في مكان شهد فيه فيضاً إلهياً، ولم يزل أهل الخير يتوخون الأمكنة بما حدث فيها من خير، والأزمنة الصالحة كذلك، وما هي إلا كالذوات الصالحة في أنها محال تجليات رضا الله.
وسأل الذرية الطيبة لأنها التي يرجى منها خير الدنيا والآخرة بحصول الآثار الصالحة النافعة.، ومشاهدة خوارق العادات خولت لزكريا الدعاء بما هو من الخوارق، أو من المستبعدات، لأنه رأى نفسه غير بعيد عن عناية الله تعالى، لا سيما في زمن الفيض أو مكانه، فلا يعد دعاؤه بذلك تجاوزا لحدود الأدب مع الله.
• قال القرطبي: دلّت هذه الآية على طلب الولد، وهي سُنّة المرسلين والصدّيقين.
قال الله تعالى (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً).
وفي صحيح مسلم عن سعد بن أبي وَقّاص قال: أراد عثمان أن يتبتّل فنهاه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولو أجاز له ذلك لاختصينا.
وقد ترجم البخاري على هذا (باب طلب الولد) وقال -صلى الله عليه وسلم- لأبى طَلْحة حين مات ابنه (أعْرَسْتم الليلة؟ قال نعم قال: بارك الله لكما في غابر ليلتكما، قال فحملت.
وفي البخاري: قال سفيان فقال رجل من الأنصار: فرأيت تسعة أولاد كلهم قد قرأوا القرآن.
وترجم أيضاً (باب الدعاء بكثرة الولد مع البركة) وساق حديث أنس بن مالك قال قالت " أم سُليم: يا رسول الله، خادمك أنس أدع الله له، فقال: اللّهُمّ أكثر ماله وولده وبارك له فيما أعطيته.
وقال -صلى الله عليه وسلم- (الّلهُمّ اغفر لأبي سَلَمة وارفع درجته في المهديَّين فيما واخلفه في عَقِبه في الغابرين).
وقال -صلى الله عليه وسلم- (تزوجوا الوَلود الوَدود فإني مكاثر بكم الأمم) أخرجه أبو داود.
والأخبار في هذا المعنى كثيرة تحث على طلب الولد وتندب إليه؛ لما يرجوه الإنسان من نفعه في حياته وبعد موته.
قال -صلى الله عليه وسلم- (إذا مات أحدكم انقطع عمله إلا من ثلاث" فذكر: أو ولد صالح يدعو له) ولو لم يكن إلا هذا الحديث لكان فيه كفاية. (تفسير القرطبي).