للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ) أي: مصدقاً بعيسى.

قال الرازي: وهو اختيار الجمهور.

قال الشنقيطي: وإنما قيل لعيسى: كلمة، لأن الله أوجده بكلمة وهي قوله (كن) فكان كما قال تعالى (إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ).

قال الشنقيطي: وهذا قول جمهور العلماء في معنى (مصدقاً بكلمة الله)، وقيل: المراد بـ (كلمة) الكتاب، أي: مصدقاً بكتاب الله.

(وَسَيِّدًا) السيد، الذي يسود قومه؛ أي يفوقهم في الشرف والفضل.

(وَحَصُورًا) الصحيح في معنى (وحصوراً) أنه الذي حصر نفسه عن النساء مع القدرة على إتيانهن تبتلاً منه، وانقطاعاً لعبادة الله، وكان ذلك جائزاً في شرعه، وأما سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- فهي التزوج وعدم التبتل.

• قال الرازي: والقول الثاني: وهو اختيار المحققين أنه الذي لا يأتي النساء لا للعجز بل للعفة والزهد، وذلك لأن الحصور هو الذي يكثر منه حصر النفس ومنعها.

• وقال البغوي: واختار قوم هذا القول لوجهين:

أحدهما: لأن الكلام خرج مخرج الثناء، وهذا أقرب إلى استحقاق الثناء.

والثاني: أنه أبعد من إلحاق الآفة بالأنبياء.

• وقول من قال إنه كان عاجز عن إتيان النساء لعجزه، أو لأنه عنين، فهذا ليس بصحيح.

• قال الرازي: من العلماء قال كان ذلك لصغر الآلة، ومنهم من قال: كان ذلك لتعذر الإنزال، ومنهم من قال: كان ذلك لعدم القدرة، فعلى هذا الحصور فعول بمعنى مفعول، كأنه قال محصور عنهن، أي محبوس، ومثله ركوب بمعنى مركوب وحلوب بمعنى محلوب، وهذا القول عندنا فاسد لأن هذا من صفات النقصان وذكر صفة النقصان في معرض المدح لا يجوز، ولأن على هذا التقدير لا يستحق به ثواباً ولا تعظيماً.

• وقال الشنقيطي: أما قول من قال: إن الحصور فعول بمعنى مفعول، وأنه محصور عن النساء لأنه عنين لا يقدر على إتيانهن، فليس بصحيح، لأن العنّة عيب ونقص في الرجال، وليست من فعله حتى يثنى عليه بها.

(وَنَبِيًّا) هذه بشارة ثانية بنبوة يحيى بعد البشارة بولادته، وهي أعلى من الأولى.

(مِنَ الصَّالِحِينَ) الذين صلحت عقائدهم وأعمالهم وأقوالهم ونياتهم، والصلاح ضد الفساد، وقد وصف الله يحيي بالصلاح مع من وصف بذلك من الأنبياء في سورة الأنعام في قوله (وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ).

(قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ) لم يبين هنا القدر الذي بلغ من الكبر، ولكنه بينه في سورة مريم أنه بلغ من الكبَر عتياً وذلك في قوله تعالى (قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِراً وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيّاً) والعتي: اليبس والقحول في المفاصل والعظام من شدة الكِبَر.

<<  <  ج: ص:  >  >>