وقوله تعالى (بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا) اختلف في معنى (لم نجعل له سمياً).
قيل: لم يسم أحد قبله بهذا الاسم، واختاره ابن جرير والشوكاني والشنقيطي.
وقيل: لم نجعل له شبيهاً.، وهذا مرجوح لأن يحيي سبقه كثير من الأنبياء، وفيهم من هو أفضل منه.
• قال ابن جرير: وهذا القول أعني قول من قال: لم يكن ليحيى قبل يحيى أحد سمي باسمه أشبه بتأويل ذلك، وإنما معنى الكلام: لم نجعل للغلام الذي نهب لك الذي اسمه يحيى من قبله أحدا مسمى باسمه.
• قال الشوكاني: قال أكثر المفسرين: معناه: لم نسمّ أحداً قبله يحيى.
وقال مجاهد وجماعة: معنى (لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيّاً) أنه لم يجعل له مثلاً ولا نظيراً، فيكون على هذا مأخوذ من المساماة أو السموّ، وردّ هذا بأنه يقتضي تفضيله على إبراهيم وموسى.
وقيل: معناه لم تلد عاقر مثله، والأوّل أولى.
ثم قال رحمه الله: وفي إخباره سبحانه بأنه لم يسمّ بهذا الاسم قبله أحد فضيلة له من جهتين:
الأولى: أن الله سبحانه هو الذي تولى تسميته به، ولم يكلها إلى الأبوين.
والجهة الثانية: أن تسميته باسم لم يوضع لغيره يفيد تشريفه وتعظيمه.
قال الشنقيطي: وَقَوْلُهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: اسْمُهُ يَحْيَى، يَدُلُّ عَلَى أَنَّ اللَّهَ هُوَ الَّذِي سَمَّاهُ، وَلَمْ يَكِلْ تَسْمِيَتَهُ إِلَى أَبِيهِ، وَفِي هَذَا مَنْقَبَةٌ عَظِيمَةٌ لِيَحْيَى.
(فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ) أي: خاطبته الملائكة شفاها خطابًا أسمعته، وهو قائم يصلي في محراب عبادته، ومحل خَلْوَته، ومجلس مناجاته، وصلاته، ثم أخبر عما بشّرته به الملائكة.
وقال بعض العلماء: أطلق الملائكة وأراد جبريل، ومثل به بعض علماء الأصول للعام المراد به الخصوص قائلاً: إنه أراد بعموم الملائكة خصوص جبريل.
• قال ابن الجوزي: وفي الملائكة قولان:
أحدهما: جبريل وحده، قال السدي، ومقاتل، ووجهه أن العرب تخبر عن الواحد بلفظ الجمع، تقول: ركبت في السفن، وسمعت هذا من الناس.
والثاني: أنهم جماعة من الملائكة، وهو مذهب قوم، منهم ابن جرير الطبري.
(أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى) أي: بولد يوجد لك من صلبك اسمه يحيى. قال قتادة وغيره: إنما سُمِّي يحيى لأن الله تعالى أحياه بالإيمان، وأن الذي تولى اسمه هو الله تعالى.