خامسها: أنه أبلغ في جمعية القلب على الله تعالى في الدعاء فإن رفع الصوت يفرقه ويشتته فكلما خفض صوته كان أبلغ في صمده وتجريد همته وقصده للمدعو سبحانه وتعالى.
سادسها: وهو من النكت السرية البديعة جدا أنه دال على قرب صاحبه من الله وأنه لاقترابه منه وشدة حضوره يسأله مسألة أقرب شيء إليه فيسأله مسألة مناجاة للقريب لا مسألة نداء البعيد للبعيد.
سابعها: أنه أدعى إلى دوام الطلب والسؤال فإن اللسان لا يمل والجوارح لا تتعب بخلاف ما إذا رفع صوته فإنه قد يكل لسانه وتضعف بعض قواه.
ثامنها: أن إخفاء الدعاء أبعد له من القواطع والمشوشات والمضعفات فإن الداعي إذا أخفى دعاءه لم يدر به أحد فلا يحصل هناك تشويش ولا غيره.
تاسعها: إن أعظم النعم الإقبال على الله والتعبد له والانقطاع إليه والتبتل إليه ولكل نعمة حاسد على قدرها دقت أو جلت ولا نعمة أعظم من هذه النعمة فأنفس الحاسدين المنقطعين متعلقة بها وليس للمحسود أسلم من إخفاء نعمته عن الحاسد وأن لا يقصد إظهارها له.
• وقوله تعالى (يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ) المراد بالإرث هنا إرث النبوة والعلم لا المال، وذلك لأمور:
أولاً: أن النبي أعظم وأجل قدراً من أن يشفق على ماله إلى ما هذا حده.
ثانياً: أنه لم يذكر أنه كان ذا مال، بل كان نجاراً يأكل من كسب يديه، ومثل هذا لا يجمع مالاً ولا سيما الأنبياء عليهم السلام، فإنهم كانوا أزهد شيء في الدنيا.
ثالثاً: أنه ثبت في الصحيحين أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال (لا نُورث، ما تركنا فهو صدقة) وفي رواية عند الترمذي بإسناد صحيح (نحن معاشر الأنبياء لا نورث).
رابعاً: قوله تعالى (وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ) أي: في النبوة، إذ لو كان في المال لما خصه من بين إخوته بذلك، ولما كان في الإخبار بذلك كبير فائدة، إذ من المعلوم المستقر في جميع الشرائع والملل أن الولد يرث أباه، فلولا أنها وراثة خاصة لما أخبر بها. … (تفسير ابن كثير ٥/ ٢١٣).