وفي هذا أن عيسى بعث إلى قومه خاصة لقوله (وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرائيلَ) ولقوله -صلى الله عليه وسلم- (وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة) متفق عليه.
(أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللَّهِ) وكذلك كان يفعل: يصور من الطين شكل طير، ثم ينفخُ فيه، فيطير عيانًا بإذن الله، عز وجل، الذي جعل هذا معجزة يَدُلّ على أن الله أرسله.
• قال في التسهيل: ذكر (بِإِذْنِ الله) رفعاً لوهم من توهم في عيسى الربوبية.
• وقال الشوكاني: وقوله (بِإِذُنِ الله) فيه دليل على أنه لولا الإذن من الله عزّ وجلّ لم يقدر على ذلك، وأن خلق ذلك كان بفعل الله سبحانه أجراه على يد عيسى عليه السلام.
• قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى: (أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ) الآية، هذه الآية يوهم ظاهرها أن بعض المخلوقين ربما خلق بعضهم، ونظيرها قوله تعالى (وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً) الآية، وقد جاءت آيات أخر تدل على أن الله خالق كل شيء كقوله تعالى (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ)، وقوله (اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ) إلى غير ذلك من الآيات.
والجواب ظاهر وهو معنى خلق عيسى كهيئة الطير من الطين: هو أخذه شيئاً من الطين وجعله على هيئة أي صورة الطير، وليس المراد الخلق الحقيقي؛ لأن الله متفرد به - جل وعلا -وقوله (وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً) معناه: تكذبون، فلا منافاة بين الآيات كما هو ظاهر.
(وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ) قيل: هو الذي يبصر نهارًا ولا يبصر ليلاً، وقيل بالعكس. وقيل: هو الأعشى. وقيل: الأعمش. وقيل: هو الذي يولد أعمى. وهو أشبه؛ لأنه أبلغ في المعجزة وأقوى في التحدي.
(وَالْأَبْرَصَ) معروف.
• قال ابن عادل: إنما خَصَّ هذين المرضَيْن لأنهما أعْيا الأطباء، وكان الغالب في زمن عيسى -عليه السلام- الطبَّ، فأراهم الله المعجزة من جنس ذلك.
• وقال الشوكاني: وإنما خص الله سبحانه هذين المرضين بالذكر؛ لأنهما لا يبرآن في الغالب بالمداواة.