للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ) أي: لا يعود وبال ذلك إلا عليهم إذ يضاعف به عذابهم.

(وَمَا يَشْعُرُونَ) أنهم ممكور بهم.

(يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بآيَاتِ اللَّهِ) تقدم شرحها، والمراد بآيات الله هنا الشرعية.

• اختلف في المراد بآيات الله على أقوال:

القول الأول: أن المراد منها الآيات الواردة في التوراة والإنجيل، وعلى هذا القول فيه وجوه:

أحدها: ما في هذين الكتابين من البشارة بمحمد -عليه السلام-، ومنها: ما في هذين الكتابين؛ أن إبراهيم -عليه السلام- كان حنيفاً مسلماً، ومنها: أن فيهما أن الدين هو الإسلام.

واعلم أن على هذا القول المحتمل لهذه الوجوه نقول: إن الكفر بالآيات يحتمل وجهين:

أحدهما: أنهم ما كانوا كافرين بالتوراة بل كانوا كافرين بما يدل عليه التوراة فأطلق اسم الدليل على المدلول على سبيل المجاز، والثاني: أنهم كانوا كافرين بنفس التوراة لأنهم كانوا يحرفونها وكانوا ينكرون وجود تلك الآيات الدالة على نبوّة محمد -صلى الله عليه وسلم-.

فأما قوله تعالى (وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ) فالمعنى على هذا القول أنهم عند حضور المسلمين، وعند حضور عوامهم، كانوا ينكرون اشتمال التوراة والإنجيل على الآيات الدالة على نبوّة محمد -صلى الله عليه وسلم-، ثم إذا خلا بعضهم مع بعض شهدوا بصحتها، ومثله قوله تعالى (تَبْغُونَهَا عِوَجاً وَأَنْتُمْ شُهَدَاء).

واعلم أن تفسير الآية بهذا القول، يدل على اشتمال هذه الآية على الإخبار عن الغيب لأنه -عليه السلام- أخبرهم بما يكتمونه في أنفسهم، ويظهرون غيره، ولا شك أن الإخبار عن الغيب معجز.

القول الثاني: في تفسير آيات الله أنها هي القرآن وقوله (وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ) يعني أنكم تنكرون عند العوام كون القرآن معجزاً ثم تشهدون بقلوبكم وعقولكم كونه معجزاً.

القول الثالث: أن المراد بآيات الله جملة المعجزات التي ظهرت على يد النبي -صلى الله عليه وسلم- وعلى هذا القول فقوله تعالى (وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ) معناه أنكم إنما اعترفتم بدلالة المعجزات التي ظهرت على سائر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام الدالة على صدقهم، من حيث أن المعجز قائم مقام التصديق من الله تعالى فإذا شهدتهم بأن المعجز إنما دل على صدق سائر الأنبياء -عليه السلام- من هذا الوجه، وأنتم تشهدون حصول هذا الوجه في حق محمد -صلى الله عليه وسلم- كان إصراركم على إنكار نبوته ورسالته مناقضاً لما شهدتهم بحقيته من دلالة معجزات سائر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام على صدقهم.

(وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ) أي: تعلمون صدقها وتتحققون حقها.

<<  <  ج: ص:  >  >>