للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

• قال الرازي: اعلم أنه تعالى لما حكى عنهم أنهم يلبسون الحق بالباطل أردف ذلك بأن حكى عنهم نوعاً واحداً من أنواع تلبيساتهم، وهو المذكور في هذه الآية.

• وقال رحمه الله: الفائدة في إخبار الله تعالى عن تواطئهم على هذه الحيلة من وجوه:

الأول: أن هذه الحيلة كانت مخفية فيما بينهم، وما أطلعوا عليها أحداً من الأجانب، فلما أخبر الرسول عنها كان ذلك إخباراً عن الغيب، فيكون معجزاً.

الثاني: أنه تعالى لما أطلع المؤمنين على تواطئهم على هذه الحيلة لم يحصل لهذه الحيلة أثر في قلوب المؤمنين، ولولا هذا الإعلان لكان ربما أثرت هذه الحيلة في قلب بعض من كان في إيمانه ضعف.

الثالث: أن القوم لما افتضحوا في هذه الحيلة صار ذلك رادعاً لهم عن الإقدام على أمثالها من الحيل والتلبيس.

• وسمى أول النهار وجهاً، لأنه أول ما يواجهك منه، وأول وقت ظهوره ووضوحه.

(لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُون) أي: آمنوا في أول النهار واكفروا في آخره، بأن تعودوا إلى اليهودية، أملاً في أن ينخدع بحيلتكم هذه بعض المسلمين، فيشكوا في دينهم، ويعودوا إلى الكفر بعد دخولهم في الإسلام.

• وفي هذا كشف عن مقصدهم الخبيث، وهو ابتغاؤهم رجوع بعض المؤمنين عن دينهم الحق إلى ما كانوا عليه من باطل.

(وَلا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ) أي: لا تطمئنوا وتظهروا سركم وما عندكم إلا لمن اتبع دينكم ولا تظهروا ما بأيديكم إلى المسلمين، فيؤمنوا به ويحتجوا به عليكم.

(قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ) أي هو الذي يهدي قلوب المؤمنين إلى أتم الإيمان، بما ينزله على عبده ورسوله محمد -صلى الله عليه وسلم- من الآيات البينات، والدلائل القاطعات، والحجج الواضحات، وَإنْ كتمتم -أيها اليهود-ما بأيديكم من صفة محمد في كتبكم التي نقلتموها عن الأنبياء الأقدمين.

وهذه جملة معترضة.

(أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ) يقولون: لا تظهروا ما عندكم من العلم للمسلمين، فيتعلموه منكم، ويساووكم فيه، ويمتازوا به عليكم لشدة الإيمان به.

(أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ) أي: يتخذوه حجة عليكم مما بأيديكم، فتقوم به عليكم الدلالة وتَتَركَّب الحجةُ في الدنيا والآخرة.

فهم على هذا التفسير يعلمون ويعتقدون بأن المؤمنين قد أوتوا مثلهم من الدين والفضائل عن طريق محمد -صلى الله عليه وسلم- الذي أرسله الله رحمة

للعالمين، ولكنهم لشدة حسدهم وبغضهم للنبي -صلى الله عليه وسلم- ولأتباعه، قد تواصوا فيما بينهم بأن يكتموا هذا العلم وتلك المعرفة، ولا يظهروا ذلك إلا فيما بينهم، وصدق الله إذ يقول في شأنهم الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>