(فَمَنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) أي: فمن تعمد الكذب على اللّه تعالى بأن زعم بأن ما حرمته التوراة على بنى إسرائيل من المطاعم بسبب ظلمهم وبغيهم، كان محرماً عليهم وعلى غيرهم قبل نزولها، فأولئك الذين قالوا هذا القول الكاذب هم المتناهون في الظلم: المتجاوزون للحدود التي شرعها اللّه تعالى، وسيعاقبهم سبحانه على هذا الظلم والافتراء عذاباً أليماً لا مهرب لهم منه ولا نصير.
• افترى: من الافتراء وهو اختلاق الكذب، وأصله من فرى الأديم إذا قطعه لأن الكاذب يقطع القول من غير حقيقة له في الوجود، والكذب: الإخبار بخلاف الواقع.
• قوله تعالى (مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ) أي: من بعد قيام الحجة وظهور البينة.
(قُلْ صَدَقَ اللَّه) أي: فيما أخبر به وحكم، وهذا أمر من الله لرسوله ولمن يتبعه أن يقولوا بألسنتهم: صدق الله، معتقدين بذلك في قلوبهم عن أدلة يقينية، مقيمين هذه الشهادة على من أنكرها، ومن هنا تعلم أن أعظم الناس تصديقاً لله أعظمهم علماً ويقيناً بالأدلة التفصيلية السمعية والعقلية.
• قال الآلوسي: قوله تعالى (قُلْ صَدَقَ الله) أي ظهر وثبت صدقه في أن كل الطعام كان حلاً لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه وقيل: في أن محمداً -صلى الله عليه وسلم- على دين إبراهيم -عليه السلام- وأن دينه الإسلام، وقيل: في كل ما أخبر به ويدخل ما ذكر دخولاً أولياً وفيه كما قيل: تعريض بكذبهم الصريح.
• وقال ابن عاشور: قوله تعالى (قل صدق الله) وهو تعريض بكذبهم لأنّ صدق أحد الخبرين المتنافيين يستلزم كذب الآخر، فهو مستعمل في معناه الأصلي والكنائي.
• وفي الآية ثناء على الله تعالى وقد قال تعالى (وَعْدَ اللَّهِ حَقّاً وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلاً).
• قال في التسهيل: قوله تعالى (صَدَقَ الله) أي الأمر كما وصف، لا كما تكذبون أنتم. ففيه تعريض بكذبهم.