للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُواْ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (١٢٣)). [آل عمران: ١٢٣].

(وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ) أي: يوم بدر.

• قال ابن كثير: وكان في جمعة وافق السابع عشر من رمضان، من سنة اثنتين من الهجرة، وهو يوم الفرقان الذي أعز الله فيه الإسلام وأهله، ودمغَ فيه الشرك وخرَّب محِله، هذا مع قلة عدد المسلمين يومئذ، فإنهم كانوا ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً فيهم فرسان وسبعُون بعِيراً، والباقون مُشاة، ليس معهم من العَدَد جميع ما يحتاجون إليه، وكان العدو يومئذ ما بين التسعمائة إلى الألف في سوابغ الحديد والبَيض، والعدة الكاملة والخيول المسومة والحلي الزائد، فأعز الله رسوله، وأظهر وحيه وتنزيله، وبَيَّضَ وَجْه النبي وقبيله، وأخْزى الشيطان وجيله.

(وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ) أي: قليل عددكم ليعلموا أن النصر إنما هو من عند الله، لا بكثرة العَدَد والعُدَد؛ ولهذا قال في الآية الأخرى (وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ. ثُمَّ أَنزلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ. ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ).

• قال الشنقيطي: قوله تعالى (وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ) وصف الله المؤمنين في هذه الآية بكونهم أذلة حال نصره لهم ببدر، وقد جاء في آية أخرى وصفه تعالى لهم بأن لهم العزة، وهي قوله تعالى (ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين) ولا يخفى ما بين العزة والذلة من التنافي والتضاد.

والجواب ظاهر: وهو أنّ معنى وصفهم بالذلة هو قلة عَددهم وعُددهم يوم بدر، وقوله تعالى (ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين) نزل في غزوة المريسيع، وهي غزوة بني المصطلق، وذلك بعد أن قويت شوكة المسلمين، وكثر عَددهم، مع أن العزة والذلة يمكن الجمع بينهما باعتبار آخر، وهو أن الذلة باعتبار حال المسلمين من قلة العَدد والعُدد، والعزة باعتبار نصر الله وتأييده، كما يشير إلى هذا قوله تعالى (وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ).

وقوله (وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ)، فإنّ زمن الحال هو زمن عاملها، فزمان النصر هو زمان كونهم أذلة، فظهر أنّ وصف الذلة باعتبار، ووصف العزة والنصر باعتبار آخر، فانفكت الجهة، والعلم عند الله.

<<  <  ج: ص:  >  >>