• قال ابن عرفة: السير في الأرض حسّي ومعنوي، والمعنوي هو النظر في كتب التَّاريخ بحيث يحصل للنَّاظر العلم بأحوال الأمم، وما يقرب من العلم، وقد يحصل به من العلم ما لا يحصل بالسير في الأرض لِعجز الإنسان وقصوره.
وإنَّما أمر الله بالسير في الأرض دون مطالعة الكتب لأنّ في المخاطبين مَن كانوا أمِّيين، ولأنّ المشاهدة تفيد من لم يقرأ علماً وتقوّي عِلْم من قرأ التَّاريخ أو قصّ عليه.
• قال ابن عاشور: وفي الآية دلالة على أهميِّة علم التَّاريخ لأنّ فيه فائدة السير في الأرض، وهي معرفة أخبار الأوائل، وأسباب صلاح الأمم وفسادها.
(هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ) قيل: عنى بقوله (هذا) القرآن، وقيل: إنما أشير بقوله (هذا)، إلى قوله (قد خلت من قبلكم سُنن فسيروا في الأرض فانظرُوا كيف كان عاقبه المكذبين).
قال الطبري: وأولى القولين في ذلك عندي بالصواب، قولُ من قال: قوله (هذا) إشارةٌ إلى ما تقدم هذه الآية من تذكير الله جل ثناؤه المؤمنين، وتعريفهم حدوده، وحضِّهم على لزوم طاعته والصبر على جهاد أعدائه وأعدائهم. لأن قوله (هذا)، إشارة إلى حاضر: إما مرئيّ وإما مسموع، وهو في هذا الموضع إلى حاضر مسموع من الآيات المتقدمة.
هذه الآية تدل على أن البيان عام لكل الناس، لكن جاءت آية تدل على أن البيان خاص بالموقنين كقوله تعالى (قَدْ بَيَّنَّا الْآياتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) ووجه الجمع: أن البيان عام لجميع الخلق، إلا أنه لما كان الانتفاع به خاصا بالموقنين خص في هذه الآية بهم، لأن ما لا نفع فيه كالعدم، ونظيرها قوله تعالى (إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا) وقوله (إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْر) الآية، مع أنه منذر للأسود والأحمر، وإنما خص الإنذار بمن يخشى ومن يتبع الذكر لأنه المنتفع به.
(وَهُدىً) الهدى: الإرشاد إلى ما فيه خير النَّاس في الحال والاستقبال.