• قال ابن القيم: قوله تعالى (إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ) أي: استويتم في القرح والألم، وتباينتم في الرجاء كما قال تعالى (إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً) فمالكم تهنون وتضعفون عند القرح والألم؟ فقد أصابهم ذلك في سبيل الشيطان، وأنتم أُصبتم في سبيلي وابتغاء مرضاتي؟
• قال الرازي: واعلم أن هذا من تمام قوله (وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ) فبين تعالى أن الذي يصيبهم من القرح لا يجب أن يزيل جدهم واجتهادهم في جهاد العدو، وذلك لأنه كما أصابهم ذلك فقد أصاب عدوهم مثله قبل ذلك، فإذا كانوا مع باطلهم، وسوء عاقبتهم لم يفتروا لأجل ذلك في الحرب، فبأن لا يلحقكم الفتور مع حسن العاقبة والتمسك بالحق أولى.
• قوله تعالى (إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ) قرأ حمزة والكسائي وأبو بكر عن عاصم (قُرْحٌ) بضم القاف وكذلك قوله (مِن بَعْدِ مَا أصابهم القرح) والباقون بفتح القاف فيهما، فقيل: هما بمعنى واحد، وقيل: بالفتح الجراحة بعينها وبالضم ألم الجراحة.
• فإن قيل كيف قال (قَرْحٌ مّثْلُهُ) وما كان قرحهم يوم أحد مثل قرح المشركين؟ قلنا: يجب أن يفسر القرح في هذا التأويل بمجرد الانهزام لا بكثرة القتلى.
(وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ) أي: نُديل عليكم الأعداء تارة، وإن كانت العاقبة لكم، لما لنا في ذلك من الحكم، أي: أن أيام الدنيا هي دول بين الناس لا يدوم مسارها ولا مضارها، فيوم يحصل فيه السرور له والغم لعدوه، ويوم آخر بالعكس من ذلك، ولا يبقى شيء من أحوالها ولا يستقر أثر من آثارها.
• قال القرطبي: قوله تعالى (وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ) من فَرَح وَغمّ وصحّةِ وسُقْم وغِنًى وفقْرٍ.
• والحكمة من هذه المداولة:
الأول: أنه تعالى لو شدد المحنة على الكفار في جميع الأوقات وأزالها عن المؤمنين في جميع الأوقات لحصل العلم الاضطراري بأن الايمان حق وما سواه باطل، ولو كان كذلك لبطل التكليف والثواب والعقاب فلهذا المعنى تارة يسلط الله المحنة على أهل الايمان، وأخرى على أهل الكفر لتكون الشبهات باقية والمكلف يدفعها بواسطة النظر في الدلائل الدالة على صحة الإسلام فيعظم ثوابه عند الله.