للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والثاني: أن المؤمن قد يقدم على بعض المعاصي، فيكون عند الله تشديد المحنة عليه في الدنيا أدباً له، وأما تشديد المحنة على الكافر فإنه يكون غضباً من الله عليه. (تفسير الرازي).

ومن الحِكم: أَنّ حِكْمَةَ اللّهِ وَسُنّتَهُ فِي رُسُلِهِ وَأَتْبَاعِهِمْ جَرَتْ بِأَنْ يُدَالُوا مَرّةً وَيُدَالَ عَلَيْهِمْ أُخْرَى لَكِنْ تَكُونُ لَهُمْ الْعَاقِبَةُ فَإِنّهُمْ لَوْ انْتَصَرُوا دَائِمًا دَخَلَ مَعَهُمْ الْمُؤْمِنُونَ وَغَيْرُهُمْ وَلَمْ يَتَمَيّزْ الصّادِقُ مِنْ غَيْرِهِ وَلَوْ اُنْتُصِرَ عَلَيْهِمْ دَائِمًا لَمْ جَمَعَ لَهُمْ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ لِيَتَمَيّزَ مَنْ يَتّبِعُهُمْ وَيُطِيعُهُمْ لِلْحَقّ وَمَا جَاءُوا بِهِ مِمّنْ يَتّبِعُهُمْ عَلَى الظّهُورِ وَالْغَلَبَةِ خَاصّةً.

وَمِنْهَا: أَنّ هَذَا مِنْ أَعْلَامِ الرّسُلِ كَمَا قَالَ هِرَقْلُ لِأَبِي سُفْيَانَ هَلْ قَاتَلْتُمُوهُ؟ قَالَ نَعَمْ قَالَ كَيْفَ الْحَرْبُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ؟ قَالَ سِجَالٌ يُدَالُ عَلَيْنَا الْمَرّةَ وَنُدَالُ عَلَيْهِ الْأُخْرَى قَالَ كَذَلِكَ الرّسُلُ تُبْتَلَى ثُمّ تَكُونُ لَهُمْ الْعَاقِبَة.

وَمِنْهَا: أَنْ يَتَمَيّزَ الْمُؤْمِنُ الصّادِقُ مِنْ الْمُنَافِقِ الْكَاذِبِ فَإِنّ الْمُسْلِمِينَ لَمّا أَظْهَرَهُمْ اللّهُ عَلَى أَعْدَائِهِمْ يَوْمَ بَدْرٍ وَطَارَ لَهُمْ الصّيتُ دَخَلَ مَعَهُمْ فِي الْإِسْلَامِ ظَاهِرًا مَنْ لَيْسَ مَعَهُمْ فِيهِ بَاطِنًا فَاقْتَضَتْ حِكْمَةُ اللّهِ عَزّ وَجَلّ أَنْ سَبّبَ لِعِبَادِهِ مِحْنَةً مَيّزَتْ بَيْنَ الْمُؤْمِنِ وَالْمُنَافِقِ فَأَطْلَعَ الْمُنَافِقُونَ رُءُوسَهُمْ فِي هَذِهِ الْغَزْوَةِ وَتَكَلّمُوا بِمَا كَانُوا يَكْتُمُونَهُ وَظَهَرَتْ مُخَبّآتُهُمْ وَعَادَ تَلْوِيحُهُمْ تَصْرِيحًا وَانْقَسَمَ النّاسُ إلَى كَافِرٍ وَمُؤْمِنٍ وَمُنَافِقٍ انْقِسَامًا ظَاهِرًا وَعَرَفَ الْمُؤْمِنُونَ أَنّ لَهُمْ عَدُوّا فِي نَفْسِ دُورِهِمْ وَهُمْ مَعَهُمْ لَا يُفَارِقُونَهُمْ فَاسْتَعَدّوا لَهُمْ وَتَحَرّزُوا مِنْهُمْ.

وَمِنْهَا: اسْتِخْرَاجُ عُبُودِيّةِ أَوْلِيَائِهِ وَحِزْبِهِ فِي السّرّاءِ وَالضّرّاءِ وَفِيمَا يُحِبّونَ وَمَا يَكْرَهُونَ وَفِي حَالِ ظَفَرِهِمْ وَظَفَرِ أَعْدَائِهِمْ بِهِمْ فَإِذَا ثَبَتُوا عَلَى الطّاعَةِ وَالْعُبُودِيّةِ فِيمَا يُحِبّونَ وَمَا يَكْرَهُونَ فَهُمْ عَبِيدُهُ حَقّا وَلَيْسُوا كَمَنْ يَعْبُدُ اللّهَ عَلَى حَرْفٍ وَاحِدٍ مِنْ السّرّاءِ وَالنّعْمَةِ وَالْعَافِيَةِ.

وَمِنْهَا: أَنّهُ سُبْحَانَهُ لَوْ نَصَرَهُمْ دَائِمًا وَأَظْفَرَهُمْ بِعَدُوّهِمْ فِي كُلّ مَوْطِنٍ وَجَعَلَ لَهُمْ التّمْكِينَ وَالْقَهْرَ لِأَعْدَائِهِمْ أَبَدًا، لَطَغَتْ نُفُوسُهُمْ وَشَمَخَتْ وَارْتَفَعَتْ، فَلَوْ بَسَطَ لَهُمْ النّصْرَ وَالظّفَرَ لَكَانُوا فِي الْحَالِ الّتِي يَكُونُونَ فِيهَا لَوْ بَسَطَ لَهُمْ الرّزْقَ فَلَا يُصْلِحُ عِبَادَهُ إلّا السّرّاءُ وَالضّرّاءُ وَالشّدّةُ وَالرّخَاءُ وَالْقَبْضُ وَالْبَسْطُ فَهُوَ الْمُدَبّرُ لِأَمْرِ عِبَادِهِ كَمَا يَلِيقُ بِحِكْمَتِهِ إنّهُ بِهِمْ خَبِيرٌ بَصِيرٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>