للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمِنْهَا: أَنّهُ إذَا امْتَحَنَهُمْ بِالْغَلَبَةِ وَالْكَسْرَةِ وَالْهَزِيمَةِ ذَلّوا وَانْكَسَرُوا وَخَضَعُوا فَاسْتَوْجَبُوا مِنْهُ الْعِزّ وَالنّصْرَ فَإِنّ خُلْعَةَ النّصْرِ إنّمَا تَكُونُ مَعَ وِلَايَةِ الذّلّ وَالِانْكِسَارِ قَالَ تَعَالَى (وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلّةٌ) وَقَالَ (وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا) فَهُوَ سُبْحَانَهُ إذَا أَرَادَ أَنْ يُعِزّ عَبْدَهُ وَيَجْبُرَهُ وَيَنْصُرَهُ كَسَرَهُ أَوّلًا وَيَكُونُ جَبْرُهُ لَهُ وَنَصْرُهُ عَلَى مِقْدَارِ ذُلّهِ وَانْكِسَارِه.

(وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا) ذكر تعالى الحكمة من هزيمة المسلمين في أحد وهي (وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا) أي: ليعلم علم ظهور، المؤمن الصادق من المنافق الكاذب، كما قال تعالى (وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجمعَانِ فَبِإذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَم المُؤْمِنِينَ.

ولِيَعْلَم الّذينَ نَافَقُوا).

• قال ابن القيم: فَإِنّ الْمُسْلِمِينَ لَمّا أَظْهَرَهُمْ اللّهُ عَلَى أَعْدَائِهِمْ يَوْمَ بَدْرٍ وَطَارَ لَهُمْ الصّيتُ دَخَلَ مَعَهُمْ فِي الْإِسْلَامِ ظَاهِرًا مَنْ لَيْسَ مَعَهُمْ فِيهِ بَاطِنًا فَاقْتَضَتْ حِكْمَةُ اللّهِ عَزّ وَجَلّ أَنْ سَبّبَ لِعِبَادِهِ مِحْنَةً مَيّزَتْ بَيْنَ الْمُؤْمِنِ وَالْمُنَافِقِ فَأَطْلَعَ الْمُنَافِقُونَ رُءُوسَهُمْ فِي هَذِهِ الْغَزْوَةِ وَتَكَلّمُوا بِمَا كَانُوا يَكْتُمُونَهُ وَظَهَرَتْ مُخَبّآتُهُمْ وَعَادَ تَلْوِيحُهُمْ تَصْرِيحًا وَانْقَسَمَ النّاسُ إلَى كَافِرٍ وَمُؤْمِنٍ وَمُنَافِقٍ انْقِسَامًا ظَاهِرًا وَعَرَفَ الْمُؤْمِنُونَ أَنّ لَهُمْ عَدُوّا فِي نَفْسِ دُورِهِمْ وَهُمْ مَعَهُمْ لَا يُفَارِقُونَهُمْ فَاسْتَعَدّوا لَهُمْ وَتَحَرّزُوا مِنْهُمْ. قَالَ اللّهُ تَعَالَى (مَا كَانَ اللّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطّيّبِ وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنّ اللّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ) أَيْ مَا كَانَ اللّهُ لِيَذَرَكُمْ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ الْتِبَاسِ الْمُؤْمِنِينَ بِالْمُنَافِقِينَ حَتّى يَمِيزَ أَهْلَ الْإِيمَانِ مِنْ أَهْلِ النّفَاقِ كَمَا مَيّزَهُمْ بِالْمِحْنَةِ يَوْمَ أُحُدٍ.

• وقال ابن تيمية: فإنهم إذا كانوا دائماً منصورين لم يظهر لهم وليهم وعدوهم، إذ الجميع يظهرون الموالاة، فإذا غُلبوا ظهر عدوهم، قال تعالى (وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجمعَانِ فَبِإذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَم المُؤْمِنِينَ. ولِيَعْلَم الّذينَ نَافَقُوا … ) وقال تعالى (ألم. أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ. وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ).

• قوله تعالى (وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا) المعنى: أي علماً يترتب عليه الثواب والعقاب فلا ينافي أنه كان عالماً به قبل ذلك، وفائدة الاختبار ظهور الأمر للناس. أما عالم السر والنجوى فهو عالم بكل ما سيكون، كما لا يخفى.

<<  <  ج: ص:  >  >>