للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال ابن تيمية: قَوْلُهُ (قُتِلَ) أَيْ النَّبِيُّ قُتِلَ. هَذَا أَصَحُّ الْقَوْلَيْنِ. وَقَوْلُهُ (مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ) جُمْلَةٌ فِي مَوْضِعِ الْخَبَرِ صِفَةٌ لِلنَّبِيِّ - صِفَةٌ بَعْدَ صِفَةٍ - أَيْ كَمْ مِنْ نَبِيٍّ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ قُتِلَ وَلَمْ يُقْتَلُوا مَعَهُ. فَإِنَّهُ كَانَ يَكُونُ الْمَعْنَى: أَنَّهُ قُتِلَ وَهُمْ مَعَهُ. وَالْمَقْصُودُ: أَنَّهُ كَانَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ وَقُتِلَ فِي الْجُمْلَةِ. وَأُولَئِكَ الرِّبِّيُّونَ (مَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا) و (الرِّبِّيُّونَ) الْجُمُوعُ الْكَثِيرَةُ، وَهُمْ الْأُلُوفُ الْكَثِيرَةُ. وَهَذَا الْمَعْنَى: هُوَ الَّذِي يُنَاسِبُ سَبَبَ النُّزُولِ وَهُوَ مَا أَصَابَهُمْ يَوْمَ أُحُدٍ لَمَّا قِيلَ (إنَّ مُحَمَّدًا قَدْ قُتِلَ) وَقَدْ قَالَ قَبْلَ ذَلِكَ (وَمَا مُحَمَّدٌ إلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ) وَهِيَ الَّتِي تَلَاهَا أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ -رضي الله عنه- يَوْمَ مَاتَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-، وَقَالَ: مَنْ كَانَ يَعْبُدُ مُحَمَّدًا فَإِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ مَاتَ. وَمَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ، فَإِنَّهُ عِنْدَ قَتْلِ النَّبِيِّ وَمَوْتِهِ: تَحْصُلُ فِتْنَةٌ عَظِيمَةٌ لِلنَّاسِ -الْمُؤْمِنِينَ وَالْكَافِرِينَ- وَتَحْصُلُ رِدَّةٌ وَنِفَاقٌ لِضَعْفِ قُلُوبِ أَتْبَاعِهِ لِمَوْتِهِ، وَلِمَا يُلْقِيهِ الشَّيْطَانُ فِي قُلُوبِ الْكَافِرِينَ: إنَّ هَذَا قَدْ انْقَضَى أَمْرُهُ وَمَا بَقِيَ يَقُومُ دِينُهُ، وَأَنَّهُ لَوْ كَانَ نَبِيًّا لَمَا قُتِلَ وَغُلِبَ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَأَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى: أَنَّهُ كَمْ مِنْ نَبِيٍّ قُتِلَ؟. فَإِنَّ بَنِي إسْرَائِيلَ قَتَلُوا كَثِيرًا مِنْ الْأَنْبِيَاءِ. وَالنَّبِيُّ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ أَتْبَاعٌ لَهُ. وَقَدْ يَكُونُ قَتْلُهُ فِي غَيْرِ حَرْبٍ وَلَا قِتَالٍ، بَلْ يُقْتَلُ وَقَدْ اتَّبَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ، فَمَا وَهَنَ الْمُؤْمِنُونَ لِمَا أَصَابَهُمْ بِقَتْلِهِ وَمَا ضَعُفُوا، وَمَا اسْتَكَانُوا، وَاَللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ. وَلَكِنْ اسْتَغْفِرُوا لِذُنُوبِهِمْ الَّتِي بِهَا تحصل المصائب.

(فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) أي: ما ضعفت قلوبهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>