واعلموا أنَّه إذا كان هذا شأن أتباع الأنبياء، وكانت النُّبوءة هدياً وتعليماً، فلا بدع أن يكون هذا شأن أهل العلم، وأتباع الحقّ، أن لا يوهنهم، ولا يضعفهم، ولا يخضعهم، مقاومة مقاوم، ولا أذى حاسد، أو جاهل، وفي الحديث الصّحيح، في البخاري أن خَبَّاباً قال للنَّبي -صلى الله عليه وسلم-: لقد لقينا من المشركين شدّة ألَا تدعُو الله " فقعد وهو محمّر وجهه فقال: " لقد كان مَن قبلكم لَيُمشَط بِمِشاط الحديد ما دون عظامه من لحم أو عصب، ما يصرفه ذلك عن دينه، ويوضَع المنشار على مَفْرِق رأسه فيُشَقّ باثنين ما يصرفه ذلك عن دينه. (تفسير ابن عاشور)
• قال الثعالبي: اعلم (رحمك اللَّه) أنَّ أصْلَ الوَهَنِ والضَّعْفِ عن الجِهَادِ، ومكافحةِ العَدُوِّ؛ هو حُبُّ الدنيا، وكراهيةُ بَذْلِ النفُوسِ للَّه، وبَذْلِ مُهَجِهَا لِلقَتْلِ في سَبيلِ اللَّهِ؛ ألا ترى إلى حال الصَّحابة -رضي الله عنهم-، وقلَّتِهِمْ في صَدْرِ الإسلامِ، وكيف فتح اللَّه بهم البلاد، ودان لدِينِهِمُ العباد، لما بَذَلُوا للَّه أنفسَهُمْ في الجهاد، وحالِنا اليَوْمَ، كما ترى؛ عددُ أهْل الإسلام كثيرٌ، ونكايتهم في الكُفَّار نَزْرٌ يسيرٌ، وقد روى أبو داود في "سننه" عن ثَوْبَانَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "يُوشِكُ الأُمَمُ أَنْ تتداعى عَلَيْكُمْ؛ كَمَا تَدَاعَى الأَكَلَةُ إلى قَصْعَتِهَا، فَقَالَ قَائِلٌ: ومِنْ قِلَّةٍ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: بَلْ أَنْتُمْ كَثِيرٌ، ولَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ، وَلَيَنْزِعَنَّ اللَّهُ مِنْ صُدُورِ عَدُوِّكُمُ المَهَابَةَ مِنْكُمْ وَلَيَقْذِفَنَّ فِي قُلُوبِكُمُ الوَهَنَ، فَقَالَ قَائِلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا الوَهَنُ؟ قَالَ: حُبُّ الدُّنْيَا، وَكَرَاهِيَةُ المَوْتِ" اه، فانظر رحمك اللَّه، فهل هذا الزمانُ إلا زماننا بعَيْنه، وتأمَّل حال ملوكنا، إنما هِمَّتهم جمْعُ المالِ مِنْ حرامٍ وحلالٍ، وإعراضُهم عَنْ أمْر الجهاد، فإنا للَّه وإنا إليه راجعُونَ على مُصَاب الإسلام.