(الَّذِي خَلَقَكُمْ) أي: أوجدكم بقدرته على كل شيء، وعلمه المحيط بكل شيء.
• فالمستحق للعبادة هو الخالق، والذي لا يخلق عاجز لا ينفع للعبادة. وقد جرت العادة في القرآن الكريم في آيات كثيرة أنه يجعل سبب العبادة التي تُستحق به هو الخلق والإبراز من العدم إلى الوجود، فمن يبرزكم من العدم إلى الوجود، ويوجدكم بعد أن كنتم عدماً هو هذا ربكم الذي يستحق أن تعبدوه وحده، أما الذي يحتاج إلى من يخلقه فهو عبد مربوب فقير مثلكم.
كما قال تعالى (أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ).
وقال تعالى (هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ).
وقال تعالى (أَيُشْرِكُونَ مَا لا يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ).
وقال تعالى (يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ).
وقال تعالى (قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ).
وقال تعالى (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ).
وكما قال تعالى عن إبراهيم -عليه السلام- (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاء مِّمَّا تَعْبُدُونَ. إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي) ولم يقل إلا الله لفائدتين:
الأولى: الإشارة إلى علة إفراد الله بالعبادة، لأنه كما أنه متفرد بالخلق، فيجب أن ينفرد بالعبادة.
والثانية: الإشارة إلى بطلان عبادة الأصنام، ولأنها لم تفطركم حتى تعبدوها، ففيها تعليل للتوحيد الجامع بين النفي والإثبات.
• قال بعض العلماء: إنما نص الله تعالى على صفة الخلق دون غيرها من الصفات، لأن المشركين كانوا يعترفون أن الله خالقهم، كما قال تعالى (ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله) وقال تعالى (ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن خلقهن العزيز العليم)، وقيل: ليذكرهم بذلك نعمته عليهم.
(مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ) وهو آدم، الذي خلقه الله بيده، ونفخ فيه من روحه، وأسجد له ملائكته، كما أن حواء أم البشر كما قال تعالى (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ).
• قال الرازي: أجمع المسلمون على أن المراد بالنفس الواحدة ههنا هو آدم -عليه السلام-.