• قال الشوكاني: وأطلق اسم اليتيم عليهم عند إعطائهم أموالهم، مع أنهم لا يعطونها إلا بعد ارتفاع اسم اليتم بالبلوغ مجازاً باعتبار ما كانوا عليه، ويجوز أن يراد باليتامى المعنى الحقيقي، وبالإيتاء ما يدفعه الأولياء، والأوصياء إليهم من النفقة، والكسوة لا دفعها جميعاً، وهذه الآية مقيدة بالآية الأخرى، وهي قوله تعالى (فإن آنستم منهم رشداً فادفعوا إليهم أموالهم) فلا يكون مجرد ارتفاع اليتم بالبلوغ مسوغاً لدفع أموالهم إليهم، حتى يؤنس منهم الرشد.
• وقال الشنقيطي: وَتَسْمِيَتُهُمْ يَتَامَى فِي الْمَوْضِعَيْنِ، إِنَّمَا هِيَ بِاعْتِبَارِ يُتْمِهِمُ الَّذِي كَانُوا مُتَّصِفِينَ بِهِ قَبْلَ الْبُلُوغِ، إِذْ لَا يُتْمَ بَعْدَ الْبُلُوغِ إِجْمَاعًا، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى (وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ)، يَعْنِي الَّذِينَ كَانُوا سَحَرَةً، إِذْ لَا سِحْرَ مَعَ السُّجُودِ لِلَّهِ.
• وبعض العلماء قال: إن المراد ما يعطوْن منها في حال اليتم على سبيل النفقة، وهذا فيه ضعف.
• قال القاسمي: أن يُراد بهم الصغار، وبـ (الإيتاء) ما يدفعه الأولياء والأوصياء إليهم من النفقة والكسوة، لا دفعها إليهم، وفيه بُعْدٌ.
(وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ) قيل المعنى: لا تأخذ مال اليتيم الذي حرمه الله عليك وتدع مالك الذي أحله الله لك.
وقيل المعنى: لا تعطي مالك السيئ لليتيم وتأخذ مال اليتيم الطيب، كما قال السدي: كان أحدهم يأخذ الشاة السمينة من غنم اليتيم، ويجعل فيها مكانها الشاة المهزولة، وكلا القولين تحتمله الآية، والأول أعم.
• قال الرازي: في تفسير هذا التبدل وجوه:
الوجه الأول: قال الفراء والزجاج: لا تستبدلوا الحرام وهو مال اليتامى، بالحلال وهو مالكم الذي أبيح لكم من المكاسب ورزق الله المبثوث في الأرض، فتأكلوه مكانه.
الثاني: لا تستبدلوا الأمر الخبيث، وهو اختزال أموال اليتامى، بالأمر الطيب وهو حفظها والتورع منها وهو قول الأكثرين أنه كان ولي اليتيم يأخذ الجيد من ماله ويجعل مكانه الدون.
ورجح الشوكاني الثاني وقال: إن تبدل الشيء بالشيء في اللغة أخذه مكانه وكذلك استبداله.
• قال الشوكاني: (وَلَا تَتَبَدَّلُواْ الخبيث بالطيب) نهي لهم عن أن يصنعوا صنع الجاهلية في أموال اليتامى، فإنهم كانوا يأخذون الطيب من أموال اليتامى، ويعوضونه بالرديء من أموالهم، ولا يرون بذلك بأساً.
وقيل المعنى: لا تأكلوا أموال اليتامى، وهي محرّمة خبيثة، وتدعوا الطيب من أموالكم.
وقيل المراد: لا تتعجلوا أكل الخبيث من أموالهم، وتدعوا انتظار الرزق الحلال من عند الله.
والأوّل أولى؛ فإن تبدل الشيء بالشيء في اللغة أخذه مكانه، وكذلك استبداله، ومنه قوله تعالى (وَمَن يَتَبَدَّلِ الكفر بالإيمان فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السبيل) وقوله (أَتَسْتَبْدِلُونَ الذي هُوَ أدنى بالذي هُوَ خَيْرٌ).