(وَلا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافاً) لما أمر بدفع المال إليهم، نهاهم عن الإسراف فيها، والإسراف: مجاوزة الحد، وهو في كل شيء بحسبه، وهنا: المراد الإسراف في تبذيره واستخدامه في المعاصي، أو المبالغة في المباحات.
• قال ابن عاشور: وهو تأكيد للنهي عن أكل أموال اليتامى الذي تقدّم في قوله (ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم) وتفضيح لحيلة كانوا يحتالونها قبل بلوغ اليتامى أشُدّهم: وهي أن يتعجّل الأولياء استهلاك أموال اليتامى قبل أن يتهّيئوا لمطالبتهم ومحاسبتهم، فيأكلوها بالإسراف في الإنفاق، وذلك أنّ أكثر أموالهم في وقت النزول كانت أعياناً من أنعام وتمر وحبّ وأصواف فلم يكن شأنها ممّا يكتم ويختزن، ولا ممّا يعسر نقل الملك فيه كالعقار، فكان أكلها هو استهلاكها في منافع الأولياء وأهليهم، فإذا وجد الوليّ مال محجوره جَشِع إلى أكله بالتوسّعِ في نفقاته ولباسه ومراكبه وإكرام سمرائه ممّا لم يكن ينفق فيه مال نفسه، وهذا هو المعنى الذي عبّر عنه بالإسراف، فإنّ الإسراف الإفراط في الإنفاق والتوسّع في شؤون اللذات.
(وَبِدَاراً) أي: مبادرة واستعجالاً، والمعنى: أي: لا تأكلوا أموال اليتامى مستعجلين في أكلها قبل إعطائها اليتامى، تبادرون كبرهم، لأنهم إذا كبروا في الغالب وبلغوا زال عنهم السفه، فزالت عنهم الولاية، ووجب رد أموالهم إليهم.
(أَنْ يَكْبَرُوا) أي: قبل أن يكبروا.
• قال ابن كثير: ينهى تعالى عن أكل أموال اليتامى من غير حاجة ضرورية إسرافاً ومبادرة قبل بلوغهم.
(وَمَنْ كَانَ غَنِيّاً فَلْيَسْتَعْفِفْ) أي: ومن كان من الأولياء والأوصياء على السفهاء من اليتامى وغيرهم غنياً، أي عنده من المال ما يكفيه ولا يحتاج إلى مال من تحت ولايته، فليستعفف وليستغن عن مال اليتيم، وليتنزه عنه، وليقنع بما أعطاه اللّه من رزق وفير إشفاقاً على مال اليتيم.
• والاستعفاف عن الشيء تركه. يقال: عف الرجل عن الشيء واستعف إذا أمسك عنه.
والعفة: الامتناع عما لا يحل.
• جعل الشرع أكل مال اليتيم بالباطل من السبع الموبقات المهلكات - كما قال -صلى الله عليه وسلم- (اجتنبوا السبع الموبقات: … وذكر منها: وأكل مال اليتيم ..
ولكونه أمانة عظيمة قد يعجز عنها كثيرون قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لأبي ذر - ضمن نصائح له - (ولا تولينَّ مال يتيم) رواه مسلم.