(وَمَنْ كَانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ) أي: ومن كان من الأولياء والأوصياء فقيراً، ليس عنده شيء، أو عنده شيء يسير لا يكفي لحاجته، فليأخذ من مال اليتيم جزاء عمله على حفظه ورعايته، لكن يأخذ بالمعروف حسب العرف.
• واللام في قوله (فليأكل) للإباحة.
• قال القرطبي: قوله تعالى (وَمَنْ كَانَ غَنِيّاً فَلْيَسْتَعْفِفْ) بين الله تعالى ما يحل لهم من أموالهم؛ فأمر الغني بالإمساك وأباح للوصي الفقير أن يأكل من مال ولِيّه بالمعروف.
يقال: عفّ الرجل عن الشيء واستعف إذا أمسك.
والاستعفاف عن الشيء تركه، ومنه قوله تعالى (وَلْيَسْتَعْفِفِ الذين لَا يَجِدُونَ نِكَاحاً) والعِفّة: الامتناع عما لا يحل ولا يجب فعله.
• فإن كان الولي ينفق على اليتيم من ماله (أي من مال الولي) ويدخر مال اليتيم لوقت الشدة، فلا يخلو من حالين:
الأولى: أن يكون متبرعاً بالنفقة على اليتيم ولا ينوي أن يستردها في يوم من الأيام، فلا يجوز له أخذ شيء من مال اليتيم على أنه مقابل النفقة التي أنفقها عليه.
الثانية: أن ينوي استرداد جزء مما ينفقه على اليتيم إذا احتاج إلى ذلك، فهو على نيته، فإذا احتاج إلى مال فله الأخذ من مال اليتيم، بشرط أن لا يزيد ما أخذه على ما أنفقه عليه.
(فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ) أي: إذا دفعتم وأعطيتم أيها الأولياء والأوصياء هؤلاء اليتامى أموالهم، بعد أن يحسنوا التصرف في أموالهم.
• كرر الله كلمة (أموالهم) للتأكيد على وجوب حفظ أموال اليتامى ودفعها إليهم كاملة سالمة.
• جاء سبحانه بكلمة (دفعتم) بدلاً من (أعطيتم) لأن الدفع يتضمن معنى إعطاء اليتامى أموالهم مباشرة بدون ممانعة أو مماطلة، فلا يكلفهم المطالبة، ولا يسلك الولي والوصي سبيل المماطلة والممانعة، فيتعب اليتيم والسفيه في أخذ ماله، بل يجب أن يدفع إليه ماله مباشرة.
(فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ) هذا أمر من الله للأولياء أن يشهدوا على الأيتام إذا بلغوا الحلم وسلموا إليهم أموالهم، لئلا يقع من بعضهم جحود وإنكار لما قبضه وتسلمه.
• قال الرازي: اعلم أن الأمة مجمعة على أن الوصي إذا دفع المال إلى اليتيم بعد صيرورته بالغاً، فإن الأولى والأحوط أن يشهد عليه لوجوه:
أحدها: أن اليتيم إذا كان عليه بينة بقبض المال كان أبعد من أن يدعي ما ليس له.
وثانيها: أن اليتيم إذا أقدم على الدعوى الكاذبة أقام الوصي الشهادة على أنه دفع ماله إليه.
ثالثها: أن تظهر أمانة الوصي وبراءة ساحته.