• وهذه الأنهار لا تنضب ولا تنقص، وتجري من غير أخدود.
قال ابن القيم في النونية:
أنهارها في غير أخدود جرت … سبحان ممسكها عن الفيضانِ
(خَالِدِينَ فِيهَا) أي: مقيمين فيها إقامة أبدية لا تحول ولا تزول، فلا يموتون ولا يفنون ولا يخرجون منها. -قال النسفى: الخلد والخلود البقاء الدائم الذي لا ينقطع.
• وقال ابن الجوزي: والخلود: البقاء الدائم الذي لا انقطاع له.
• قال ابن عاشور: وقوله (وهم فيها خالدون) احتراس مِن تَوَهُّم الانقطاع بما تعودوا من انقطاع اللذات في الدنيا لأن جميع اللذات في الدنيا معرضة للزوال وذلك ينغصها عند المنعم عليه.
• وذكر من نعيم الجنة الخلود، لأنه أعظم النعيم، لأن أكبر ما ينكد اللذائذ، وينغص اللذات، أن يعلم صاحبها أنه زائل عنها، وأنها زائلة عنه، فكل نعيم بعده موت فليس بنعيم، والنعيم إذا تيقن صاحبه الانتقال عنه صار غماً، كما قال بعض الشعراء:
أحب ليالي الهجر لا فرحاً بها عسى الدهر يأتي بعدها بوصالِ
وأبغضُ أيام الوصال لأنني أرى كل وصلٍ معقباً بزوالِ
فالفكرة بالزوال تكدر اللذات الحاضرة، ولذا كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يأمرهم أن يكثروا من ذكر الموت، ويقال للموت: هاذم اللذات، لأن من تذكره ضاعت عليه لذته التي هو فيها، لأنه يقطعها، ولهذا قال (خالدين فيها) لا يزول عنهم ذلك ذلك النعيم فتتكدر غبطتهم.
وجاءت الآيات الكثيرة بخلود أهل الجنة بالجنة:
فقال تعالى (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً)
وقال تعالى (قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً)
وقال تعالى (وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحاً يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً).
وقال تعالى (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ).
وقال -صلى الله عليه وسلم- (من يدخل الجنة ينعم ولا ييأس، لا تبلى ثيابُه، ولا يفنى شبابه) رواه مسلم.
وقال -صلى الله عليه وسلم- (يناد مناد: إن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبداً، وإن لكم أن تحيوا فلا تموتوا أبداُ، وإن لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبداً، وإن لكم أن تنعموا فلا تيأسوا أبداً) رواه مسلم.
وقال -صلى الله عليه وسلم- (إذا دخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار، فيؤتى بالموت على شكل كبش فيذبح، فيقال: يا أهل الجنة خلود فلا موت … ) متفق عليه.