الرابع: أن المولى قد يبيعها من إنسان آخر، فعلى قول من يقول: بيع الأمة طلاقها، تصير مطلقة شاء الزوج أم أبى، وعلى
قول من لا يرى ذلك فقد يسافر المولى الثاني بها وبولدها، وذلك من أعظم المضار.
الخامس: أن مهرها ملك لمولاها، فهي لا تقدر على هبة مهرها من زوجها، ولا على إبرائه عنه، بخلاف الحرة، فلهذه الوجه ما أذن الله في نكاح الأمة إلا على سبيل الرخصة.
(وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ) أي: ليس لكم إلا الظاهر، أما الباطن فعلمه إلى الله تعالى، فإذا كانت الأمة مؤمنة في الظاهر جاز نكاحها، وباطنها إلى الله تعالى.
• قال القرطبي: المعنى أن الله عليم ببواطن الأُمور ولكم ظواهرها، وكلّكم بنو آدم وأكرمكم عند الله أتقاكم، فلا تستنكِفُوا من التزوّج بالإماء عند الضرورة، وإن كانت حديثةَ عهدٍ بِسِباء، أو كانت خرساء وما أشبه ذلك.
ففي اللفظ تنبيه على أنه ربّما كان إيمان أَمَة أفضل من إيمان بعض الحرائر. (تفسير القرطبي).
(بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ) أي: كلكم سواء في البشرية والإنسانية الأحرار والأرقاء، وكلكم من آدم وآدم من تراب كما قال تعالى (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ).
• قال القرطبي: قوله تعالى (بَعْضُكُمْ مِّن بَعْضٍ) ابتداء وخبر؛ كقولك زيد في الدار.
والمعنى أنتم بنو آدم، وقيل: أنتم مؤمنون.
وقيل: في الكلام تقديم وتأخير؛ المعنى: ومن لم يستطع منكم طولاً أن ينكح المحصناتِ المؤمناتِ فلْينكِح بعضُكم من بعض: هذا فتاة هذا، وهذا فتاة هذا.
فبعضكم على هذا التقدير مرفوع بفعله وهو فلينكح.
والمقصود بهذا الكلام تَوْطِئة نفوس العرب التي كانت تستهجن ولد الأَمَة وتُعيّره وتُسمِّيه الهَجِين، فلما جاء الشرع بجواز نكاحها علموا أن ذلك التهجين لا معنى له، وإنما انحطت الأَمَة فلم يجز للحرّ التزوّج بها إلا عند الضرورة؛ لأنه تسبب إلى إرقاق الولد، وأن الأَمَة لا تَفرُغ للزّوج على الدوام، لأنها مشغولة بخدمة المَوْلَى.
(فَانْكِحُوهُنَّ) الخطاب لمن لم يجد الطوْل لنكاح الحرائر.
(بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ) أي: برضى مالكيهن وأسيادهن، لأن ولي الأمَة هو مالكها وسيدها، فهو الذي يملكها ويملك منافعها، وليس لأحد عليها ولاية سواه، لا أبوها ولا غيره.