للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وَالْجَارِ الْجُنُبِ) أي: وأحسنوا إلى الجار الجنب، الجار: هو من منزله بجوار منزلك كما سبق، والجنُب: بمعنى البعيد منك نسباً، أي: الذي ليس بينك وبينه قرابة، والمعنى: أي: الجار القريب منزلاً البعيد نسباً، فله حق الجوار.

• قال الطبري: وأولى القولين في ذلك بالصواب، قول من قال: معنى (الجنب) في هذا الموضع: الغريبُ البعيد، مسلمًا كان أو مشركًا، يهوديًا كان أو نصرانيًا، لما بينا قبل من أن (الجار ذي القربى)، هو الجار ذو القرابة والرحم، والواجب أن يكون (الجار ذو الجنابة)، الجار البعيد، ليكون ذلك وصية بجميع أصناف الجيران قريبهم وبعيدهم.

وبعد، فإن (الجُنب)، في كلام العرب: البعيد.

• وقال ابن عاشور: والجار هو النزيل بقرب منزلك، ويطلق على النزيل بين القبيلة في جوارها، فالمراد بـ (الجار ذي القربى) الجار النسيب من القبيلة، وبـ (الجار الجنب) الجار الغريب الذي نزل بين القوم وليس من القبيلة، فهو جُنُب، أي بعيد، مشتقّ من الجَانب.

وقد جاءت الأحاديث في عظم حق الجار.

قال -صلى الله عليه وسلم- (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره) متفق عليه.

وقال -صلى الله عليه وسلم- (ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه) متفق عليه.

وقال -صلى الله عليه وسلم- (لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه).

والإحسان إلى الجار يكون بأنواع الإحسان، من السلام والزيارة والنصح والإرشاد والمساعدة والهدية والدعوة إلى الطعام وغير ذلك من وجوه الإحسان مع كف الأذى.

(وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ) أي: وأحسنوا بالصاحب بالجنب، وهو الذي يصاحبك في جنبك.

وقد اختلف فيه:

فقيل: هو الزوجة.

وقيل: هو الصديق.

وقيل: هو الصاحب في السفر، ويمكن حمل الصاحب بالجنب على هذا كله.

• قال القرطبي: قوله تعالى (والصاحب بالجنب) أي الرفيق في السفر، وقال عليّ وابن مسعود وابن أبي لَيْلَى (والصاحب بالجنب) الزوجة، وقال ابن جُريج: هو الذي يصحبك ويلزمك رجاءَ نفعك، والأوّل أصح، وقد تتناول الآية الجميع بالعموم.

• وقال الطبري: والصواب من القول في تأويل ذلك عندي: أن معنى (الصاحب بالجنب) الصاحب إلى الجنب، كما يقال: فلان بجَنب فلان، وإلى جنبه، وهو من قولهم: جَنَب فلانٌ فلانًا فهو يجنُبُه جَنْبًا، إذا كان لجنبه، ومن ذلك: جَنَب الخيل، إذا قاد بعضها إلى جنب بعض، وقد يدخل في هذا: الرفيقُ في السفر، والمرأة، والمنقطع إلى الرجل الذي يلازمه رجاءَ نفعه، لأن كلهم بجنب الذي هو معه وقريبٌ منه، وقد أوصى الله تعالى بجميعهم، لوجوب حق الصاحب على المصحوب.

<<  <  ج: ص:  >  >>