• فإن قيل ما الحكمة من إهباط آدم من الجنة؟ ذكر ابن القيم رحمه الله عدة حكم:
فقال: ليعود إليها على أحسن أحواله، فأراد سبحانه أن سيذيقه وولده من نصب الدنيا وغمومها وهمومها ما يُعظّم به عندهم مقدار دخولهم إليها في الدار، فإن الضد يظهر حسنه الضد، ولو تربوا في دار النعيم لم يعرفوا قدرها.
وأيضاً، فإنه سبحانه أراد أن يتخذ منهم أنبياء ورسلاً وأولياء وشهداء يحبهم ويحبونه، فخلّى بينهم وبين أعدائه، وامتحنهم بهم، فلما آثروه وبذلوا نفوسهم وأموالهم في مرضاته ومحابه، نالوا من محبته ورضوانه والقرب منه ما لم يكن ليُنال بدون ذلك أصلاً،
فدرجة الرسالة والنبوة والشهادة والحب فيه والبغض فيه وموالاة أوليائه ومعاداة أعدائه عنده من أفضل الدرجات، ولم يكن يُنال هذا إلا على الوجه الذي قدّره وقضاه من إهباطه إلى الأرض.
وأيضاً، فإنه سبحانه له الأسماء الحسنى، فمن أسمائه: الغفور، والرحيم، والحليم، والخافض، الرافع .. ولابد من ظهور آثار هذه الأسماء، فاقتضت حكمته سبحانه أن ينزل آدم وذريته دار يظهر عليهم فيها أثر أسمائه الحسنى، فيغفر لمن يشاء، ويرحم من يشاء، ويخفض من يشاء، ويرفع من يشاء، ويعز من يشاء، ويذل من يشاء.
وأيضاً، فإنه سبحانه الملِك الحق المبين، والملك هو الذي يأمر وينهى، ويثيب ويُعاقب، ويهين ويكرم، ويعز ويذل، فاقتضى ملكه سبحانه أن ينزِل آدم وذريته داراً تجري عليهم فيها أحكام الملك، ثم ينقلهم إلى دار يُتم عليهم فيها ذلك.
وأيضاً، فإنه - سبحانه - أنزلهم إلى دار يكون إيمانهم فيها بالغيب هو الإيمان النافع، وأما الإيمان بالشهادة فكل أحد يؤمن يوم القيامة، يوم لا ينفع نفساً إلا إيمانها في الدنيا، فلو خلقوا في دار النعيم لم ينالوا درجة الإيمان بالغيب، واللذة والكرامة الحاصلة بذلك لا تحصل بدونه.