(وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) فيما يأمروكم به في غير معصية الله، وقد اختلف في المراد بهم على قولين:
القول الأول: أنهم الأمراء.
القول الثاني: العلماء.
• قال ابن القيم: والقولان ثابتان عن الصحابة في تفسير الآية، والصحيح أنها متناولة للصنفين جميعاً، فإن العلماء والأمراء ولاة الأمر الذي بعث الله به رسوله، فان العلماء ولاته حفظاً وبياناً وذباً عنه، ورداً على من ألحد فيه وزاغ عنه، وقد وكلهم الله بذلك فقال تعالى (فإن يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا بها قوما ليسوا بها بكافرين) فيالها من وكالة أوجبت طاعتهم والانتهاء إلى أمرهم وكون الناس تبعاً لهم، والأمراء ولاته قياماً وعناية وجهاداً وإلزاماً للناس به، وأخذهم على يد من خرج عنه، وهذان الصنفان هما الناس وسائر النوع الإنساني تبع لها ورعية.
• قال ابن كثير: والظاهر - والله أعلم - أن الآية عامة في جميع أولي الأمر من الأمراء والعلماء.
• وقد جاءت الأدلة الكثيرة في وجوب طاعة ولي الأمر في غير معصية الله:
عن أبي هريرة. قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن أطاع أميري فقد أطاعني، ومن عصى أميري فقد عصاني) متفق عليه.
وعن ابن عمر. قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحب وكره ما لم يؤمر بمعصية، فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة) متفق عليه.
وعن أبي ذر. قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (إن خليلي أوصاني أن أسمع وأطيع وإن كان عبداً حبشياً مجدع الأطراف) رواه مسلم، وعند البخاري (ولو لحبشي كأن رأسه زبيبة).
وعن ابن عباس. قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (من رأى من أميره شيئاً يكرهه فليصبر، فإنه من فارق الجماعة شبراً فمات فميتته جاهلية) متفق عليه.
وعن عوف بن مالك. قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم، وتصلون عليهم ويصلون عليكم، وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم، وتلعنونهم ويلعنونكم، فقلنا يا رسول الله! أفلا ننابذهم بالسيف عند ذلك؟ قال: لا، ما أقاموا الصلاة فيكم، ألا من وليَ عليه والٍ، فرآه يأتي شيئاً من معصيته فليكره ما يأتي من معصية الله ولا ينزعن يداً من طاعة) رواه مسلم.
• قوله تعالى (وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) ولم يقل (وأطيعوا أولي الأمر … ) وأعاده في الرسول، إشارة إلى استقلال الرسول بالطاعة، وأما ولاة الأمر فلا يطاعون استقلالاً، وإنما يطاعون تبعاً لطاعة الله، ولذلك إذا أمروا بمعصية فلا يطاعون.
(فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ) هذا أمر من الله عز وجل بأن كل شيء تنازع الناس فيه من أصول الدين وفروعه أن يرد التنازع في ذلك إلى الكتاب والسنة كما قال تعالى (وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ)، فما حكم به كتاب الله وسنة رسوله وشهدا له بالصحة فهو الحق، وماذا بعد الحق إلا الضلال.