(ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَاناً وَتَوْفِيقاً) أي: يتعذرون إليك ويحلفون: ما أردنا بذهابنا إلى غيرك وتحاكمنا إلى عداك إلا الإحسان والتوفيق، أي: المداراة والمصانعة، لا اعتقاداً منا صحة تلك الحكومة.
• قال ابن عاشور: قوله تعالى (فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ) تفريع على قوله (وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول) لأنّ الصدود عن ذلك يوجب غضب الله عليهم، فيوشك أن يصيبهم الله بمصيبة من غير فعل أحد، مثل انكشاف حالهم للمؤمنين فيعرفوا بالكفر فيصبحوا مهدّدين، أو مصيبة من أمر الله ورسوله والمؤمنين بأن يظهروا لهم العداوة، وأن يقتلوهم لنفاقهم فيجيئوا يعتذرون بأنّهم ما أرادوا بالتحاكم إلى أهل الطاغوت إلاّ قصد الإحسان إليهم وتأليفهم إلى الإيمان والتوفيق بينهم وبين المؤمنين.
(أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ) هذا الضرب من الناس هم المنافقون، والله يعلم ما في قلوبهم وسيجزيهم على ذلك، فإنه لا تخفى عليه خافية، فاكتف به يا محمد فيهم، فإن الله عالم بظواهرهم وبواطنهم، ولهذا قال:
(فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ) يعني عن معاقبتهم، وعن شغل البال بهم، وعن قبول أيمانهم الكاذبة في قوله (يحلفون) وليس بالإعراض الذي هو القطيعة والهجر، فإن قوله (وعظهم) يمنع من ذلك. (تفسير ابن عطية).
(وَعِظْهُمْ) أي: وانههم على ما في قلوبهم من النفاق وسرائر الشر.
قيل: أي قل لهم في معنى أنفسهم الخبيثة وقلوبهم المطوية على النفاق قولاً بليغاً، وإن الله يعلم ما في قلوبكم فلا يغني عنكم إخفاؤه، فطهروا قلوبكم من النفاق وإلا أنزل الله بكم ما أنزل بالمجاهرين بالشرك أو شراً من ذلك وأغلظ.
وقيل: قل لهم في أنفسهم خالياً بهم ليس معهم غيرهم على سبيل السر، لأن النصحية على الملأ تقريع وفي السر محض المنفعة.