وكانت امرأةٌ متعبدة بمكة إذا أمست قالت: يا نفسُ، الليلةُ ليلتُك، لا ليلةَ لكِ غيرها، فاجتهدت، فإذا أصبحت، قالت: يا نفس اليومُ يومك، لا يومَ لك غيره فاجتهدت.
وقال بكرٌ المزنيُّ: إذا أردت أنْ تنفعَك صلاتُك فقل: لعلِّي لا أُصلِّي غيرها، وهذا مأخوذٌ مما رُوي عن النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم- أنَّه قال (صلِّ صلاة مودِّع).
وأقام معروفٌ الكرخيّ الصّلاةَ، ثم قال لرجل: تقدَّم فصلِّ بنا، فقال الرجل: إنِّي إنْ صليتُ بكم هذه الصلاة، لم أُصلِّ بكم غيرَها، فقال معروف: وأنتَ تحدِّث نفسك أنّك تُصلِّي صلاةً أخرى؟ نعوذُ بالله من طولِ الأمل، فإنَّه يمنع خيرَ العمل
وطرق بعضُهم بابَ أخٍ له، فسأل عنه، فقيل له: ليس هو في البيت، فقال: متى يرجع؟ فقالت له جارية من البيت: من كانت نفسُه في يد غيره، لا يعلم متى يرجِعُ.
ولأبي العتاهية من جملة أبيات:
وما أدري وإن أَمَّلْتُ عُمراً … لَعَلِّي حِينَ أُصبحُ لَستُ أُمسِي
ألم تَرَ أنَّ كلَّ صباحِ يومٍ … وعُمرُكَ فيه أَقصَرُ مِنهُ أَمسِ
وهذا البيت الثاني أخذه مما روي عن أبي الدرداء والحسن أنَّهما قالا: ابنَ آدم، إنَّك لم تزل في هدم عمرك منذ سقطتَ من بطن أمك، ومما أنشد بعضُ السَّلف:
إنَّا لنفرحُ بالأيَّامِ نقطعُها … وكُلُّ يومٍ مضى يُدني من الأجل
فاعمَلْ لِنَفسِكَ قبلَ الموتِ مُجتهداً … فإنَّما الرِّبْحُ والخُسرانُ في العَمَلِ
قال تعالى (وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ).
نَسيرُ إلى الآجالِ في كلِّ لحظةٍ … وأيّامُنا تُطوى وهُنَّ مَراحِلُ
ولم أرَ مثلَ الموتِ حقاً كأنَّه … إذا ما تخطَّتْه الأمانيُّ باطِلُ
وما أقبحَ التَّفريطَ في زمنِ الصِّبا … فكيف به والشَّيبُ للرَّأس شامِلُ
ترحَّل من الدُّنيا بزادٍ من التُّقى … فعُمْرُكَ أيامٌ وهُنَّ قَلائِلُ
وقال -صلى الله عليه وسلم- (يتبع الميت ثلاثة أهله وماله وعمله، فيرجع اثنان ويبقى واحد، يرجع أهله وماله ويبقى عمله) متفق عليه.
قال رجل يوصي آخر: يا أخي! احذر الموت في هذه الدار من قبل أن تصير إلى دار تتمنى بها الموت فلا تجده.
وقال ابن السماك: إن الموتى لم يبكوا من الموت ولكنهم يبكون من حسرة الفوت، فاتتهم والله دار لم يتزودوا منها، ودخلوا داراً لم يتزودوا لها.
وقال إبراهيم النخعي: كانوا يشهدون الجنازة فيُرى ذلك أياماً كأن فيهم الفكرة في الموت وفي حال الميت.