ولذلك لما علم أهل الفضل بأن الموت قريب وأنه آتٍ، عملوا لذلك واستعدوا له قبل وقوعه.
إن لله عباداً فطنا … طلقوا الدنيا وخافوا الفتنا
نظروا إليها فلما علموا … أنها ليست لحي وطنا
جعلوها لجة واتخذوا … صالح الأعمال فيها سفنا
وبمثل هذا أوصى النبي -صلى الله عليه وسلم- ابن عمر فقال له: كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل وعد نفسك من أهل القبور.
فكان ابن عمر يقول: إذا أصبحت فلا تنتظر المساء وإذا أمسيت فلا تنتظر الصباح
فرحم الله امرءاً أخذ من نفسه لنفسه، وأعد العدة لأوان رمسه، وتأهب للرحيل قبل غروب شمسه فما الحياة إلا كان ثم بان
عن البراء بن عازب. قال (كنا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- إذ أبصر بجماعة فقال: علام اجتمع هؤلاء؟ قيل: على قبر يحفرونه؟ قال: ففزع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فذهب مسرعاً حتى انتهى إلى القبر، فبكى حتى بل الثرى من دموعه، ثم أقبل علينا فقال: أي إخواني لمثل هذا فأعدوا؟).
(وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ) أي: خصب ورزق من ثمار وزروع وأولاد ونحو ذلك.
(يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ) أي: إن تصب هؤلاء المنافقين حسنة، من نصر وغنيمة وشبه ذلك، يقولوا هذه من جهة الله ومن تقديره، لما علم فينا من الخير.
(وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ) أي: قحط وجدب ونقص في الثمار والزروع أو موت أولاد أو نتاج أو غير ذلك.
(يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ) أي: من قِبَلِك وبسبب اتباعنا لك واقتدائنا بدينك.
كما قال تعالى (فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ).
وقال تعالى (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ).
قال ابن كثير: هكذا قال المنافقون الذين دخلوا في الإسلام ظاهراً وهم كارهون له في نفس الأمر.
(قُل كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ) أي: الجميع بقضاء الله وقدره، وهو نافذ في البرّ والفاجر، والمؤمن والكافر.