للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال ابن جرير في وجه تسميته بالذكر: إنه محتمل معنيين:

أحدهما: أنه ذكر من الله جل ذكره، ذكّر به عباده، فعرفهم فيه حدوده وفرائضه، وسائر ما أودعه من حكمه.

والآخر: أنه ذكر وشرف وفخر لمن آمن به وصدق بما فيه، كما قال جل ثناؤه (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ) يعني أنه شرف به شرف له ولقومه.

• وقوله (بالحق) الباء للملابسة وللتعدية: أي أن القرآن نفسه نزل حقاً من عند الله لا من عند غيره، وتكون للتعدية: بمعنى أن الكتاب نزل بالحق أي: أن ما اشتمل عليه القرآن فهو حق، فعلى الوجه يكون المراد بقوله: بالحق تأكيد أنه نزل من عند الله، وعلى الوجه الثاني يكون المعنى: أن كل ما اشتمل عليه القرآن من أوامر ونواهي وأخبار فهو حق.

وكلا المعنيين صحيح، فهي حق من عند الله، وما جاءت به من الشرائع والأخبار فهو حق.

(لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ) في الخصومات، وفي بيان الأحكام الشرعية.

(بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ) أي: بما أراك الله من الآيات البينات في كتابه الكريم، وبما أفهمك من استنباط لبعض الأحكام من الآيات، مما ليس فيه نص صريح.

روي عن عمر أنه قال: لا يقولن أحدكم قضيت بما أراني الله، فإن الله لم يجعل ذلك إلا لنبيه -صلى الله عليه وسلم-، ولكن ليجتهد رأيه، لأن الرأي من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مصيب، لأن الله يريه إياه وهو منا الظن والتكلف.

وقال ابن عباس: إياكم والرأي، قال الله تعالى لنبيه -صلى الله عليه وسلم- (لتحكم بين الناس بما أراك الله) ولم يقل بما رأيت.

• قال القرطبي: معناه على قوانين الشرع؛ إمّا بوَحْيٍ ونَص، أو بنظر جارٍ على سنن الوَحي.

وهذا أصل في القياس؛ وهو يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا رأى شيئاً أصاب؛ لأن الله تعالى أراه ذلك، وقد ضمن الله تعالى لأنبيائه العِصْمَة؛ فأما أحدنا إذا رأى شيئاً يظنه فلا قطع فيما رآه، ولم يُرد رؤية العين هنا؛ لأن الحكم لا يرى بالعين.

(وَلا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيماً) الواو استئنافية، والخائنين جمع خائن، والخيانة: هي الغدر في موضع الأمانة، وهي صفة ذم بكل حال، قال تعالى (إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ)، وهي من صفات المنافقين قال تعالى (وَإِنْ يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ).

والمعنى: أي: لا تكن مخاصماً لهم، ومدافعاً عنهم، بل كن عليهم خصيماً.

قال الطبري: ولا تكن لمن خان مسلماً ومعاهداً في نفسه أو ماله خصيماً تخاصم عنه، وتدفع عنه من طالبه بحقه الذي خان فيه.

• قال ابن عاشور: والخطاب للنبيء -صلى الله عليه وسلم- والمراد الأمّة، لأنّ الخصام عن الخائنين لا يتوقّع من النبي -صلى الله عليه وسلم- وإنّما المراد تحذير الذين دفعتهم الحميّة إلى الانتصار لأبناء أبيرق.

<<  <  ج: ص:  >  >>