للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

• تصرفها يدل على أمرين:

الأول: على فقهها، لأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- لو طلقها لم تبقى من أمهات المؤمنين ولم تكن من أزواجه في الدار الآخرة.

الثاني: وكونها اختارت عائشة بالذات، هذا يدل على محبتها للرسول -صلى الله عليه وسلم- وشفقتها عليه، لأنها تعلم أن عائشة أحب نسائه إليه، فكان اهداء قسْمها لعائشة مما يسر النبي -صلى الله عليه وسلم-.

ولهذا قال ابن جرير (وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا) يَقُولُ: عَلِمَتْ مِنْ زَوْجِهَا (نُشُوزًا) يَعْنِي اسْتِعْلَاءً بِنَفْسِهِ عَنْهَا إِلَى غَيْرِهَا، أَثَرَةً عَلَيْهَا، وَارْتِفَاعًا بِهَا عَنْهَا، إِمَّا لِبُغْضَةٍ، وَإِمَّا لِكَرَاهَةٍ مِنْهُ بَعْضَ أَسْبَابِهَا، إِمَّا دَمَامَتُهَا، وَإِمَّا سِنُّهَا وَكِبَرُهَا، أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ أُمُورِهَا. (أَوْ إِعْرَاضًا) يَعْنِي: انْصِرَافًا عَنْهَا بِوَجْهِهِ أَوْ بِبَعْضِ مَنَافِعِهِ، الَّتِي كَانَتْ لَهَا مِنْهُ. (فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا) يَقُولُ فَلَا حَرَجَ عَلَيْهِمَا، يَعْنِي: عَلَى الْمَرْأَةِ الْخَائِفَةِ نُشُوزَ بَعْلِهَا أَوْ إِعْرَاضَهِ عَنْهَا، أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا، وَهُوَ أَنْ تَتْرُكَ لَهُ يَوْمَهَا، أَوْ تَضَعَ عَنْهُ بَعْضَ الْوَاجِبِ لَهَا مِنْ حَقٍّ عَلَيْهِ، تَسْتَعْطِفُهُ بِذَلِكَ، وَتَسْتَدِيمُ الْمَقَامَ فِي حِبَالِهِ، وَالتَّمَسُّكَ بِالْعَقْدِ الَّذِي بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ مِنَ النِّكَاحِ، يَقُولُ (وَالصُّلْحُ خَيْرٌ) يَعْنِي: وَالصُّلْحُ بِتَرْكِ بَعْضِ الْحَقِّ اسْتِدَامَةً لِلْحُرْمَةِ، وَتَمَاسُكًا بِعَقْدِ النِّكَاحِ، خَيْرٌ مِنْ طَلَبِ الْفُرْقَةِ وَالطَّلَاقِ.

(خافت) أي: توقعت وظنت بما يظهر لها من القرائن.

(من بعلها) أي: زوجها، كما قال تعالى عن امرأة إبراهيم (ءألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخاً).

(وَالصُّلْحُ خَيْرٌ) من الفراق، قال ابن جرير: يعني والصلح بترك بعض الحق استدامة للحرمة وتمسكاً بعقد النكاح خير من طلب الفرقة والطلاق.

• قال ابن كثير: والظاهر من الآية أن صلحهما على ترك بعض حقها للزوج، وقبول الزوج ذلك خير من المفارقة بالكلية، كما أمسك النبي -صلى الله عليه وسلم- سودة بنت زمعة على أن تركت يومها لعائشة، ولم يفارقها بل تركها من جملة نسائه، وفعله ذلك لتتأسى به أمته في مشروعية ذلك وجوازه

وقد جاء في البخاري عن عائشة (وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً) قالت: هي المرأة تكون عند الرجل لا يستكثر منها فيريد طلاقها ويتزوج غيرها، فتقول له: أمسكني ولا تطلقني ثم تزوج غيري فأنت في حلٍّ من النفقة عليّ والقسمة لي، فلذلك قوله تعالى (فَلا جُنَاحَ عَلَيهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً)

• والصلح خير في كل شيء، في الأمور الزوجية وغيرها.

• قال القرطبي (والصلح خَيْرٌ) لفظ عام مطلق يقتضي أن الصلح الحقيقي الذي تسكن إليه النفوس ويزول به الخلاف خير

على الإطلاق.

<<  <  ج: ص:  >  >>