ويدخل في هذا المعنى جميع ما يقع عليه الصلح بين الرجل وامرأته في مال أو وَطْء أو غير ذلك (خَيْرٌ) أي: خير من الفرقة؛ فإن التمادي على الخلاف والشحناء والمباغضة هي قواعد الشر، " وقال عليه السلام في البِغْضة: "إنها الحالقة" " يعني حالقة الدِّين لا حالقة الشعر.
(وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ) أي: وجبلت الأنفس على الشح.
• والشح: أشد البخل، واختار ابن جرير أن المعنى هو أحضرت أنفس النساء الشح بأنصبائهن من أزواجهن في الأيام والنفقة.
• قال الشنقيطي: ذكر تعالى في هذه الآية الكريمة أن الأنفس أحضرت الشح أي: جعل شيئاً حاضراً لها كأنه ملازم لها لا يفارقها. لأنها جبلت عليه.
وأشار في موضع آخر: أنه لا يفلح أحد إلا إذا وقاه الله شح نفسه وهو قوله تعالى (وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فأولئك هُمُ المفلحون) ومفهوم الشرط أن من لم يوق شح نفسه لم يفلح وهو كذلك، وقيده بعض العلماء بالشح المؤدي إلى منع الحقوق التي يلزمها الشرع، أو تقتضيها المروءة، وإذا بلغ الشح إلى ذلك، فهو بخل وهو رذيلة والعلم عند الله.
• الشح: أشد من البخل، فالبخل غالباً يطلق على منع المال، وأما الشح فهو يتعلق بمنع الحق الواجب من المال، وبغير ذلك من أوجه الخير والإحسان والمعروف، بل ويحمل على الاعتداء على حقوق الناس وأموالهم كما قال -صلى الله عليه وسلم- (اتقوا الشح فإنما أهلك من كان قبلكم الشح … ). وقال -صلى الله عليه وسلم- (إياكم والشح، فإنه أهلك من كان قبلكم، أمرهم بالظلم فظلموا، وأمرهم بالفجور ففجروا، وأمرهم بالقطيعة فقطعوا) رواه أبو داود.
فهو مُنافٍ للإيمان.
ولهذا قال النبي -صلى الله عليه وسلم- (لا يجتمع غبار في سبيل الله ودخان جهنم في جوف عبد أبدًا، ولا يجتمع الشح والإيمان في قلب عبد أبدًا) رواه النسائي.
والشُّح يُهلك صاحبه، وإذا شاع في المجتمعات مزقها وأهلكها.
قال -صلى الله عليه وسلم- ( … وأما المهكات: فشحٌ مطاع، وهوىً متبع، وإعجاب المرء بنفسه) رواه أحمد.
ولهذا حذر النبي -صلى الله عليه وسلم- من هذا الخُلق الذميم؛ لأنه يؤدي إلى شيوع الظلم، وقطيعة الرحم، وسفك الدماء، وأكل الأموال.
فعن عبد اله بن عمرو - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (إياكم والشح فإن الشح أهلك من كان قبلكم، أمرهم بالقطيعة فقطعوا، وأمرهم بالفجور ففجروا … ) رواه أبوداود.
وقال -صلى الله عليه وسلم- (شر ما في الرجل شح هالع وجبن خالع) رواه أبو داود.
وقال -صلى الله عليه وسلم- (يتقارب الزمان، وينقص العمل، ويلقى الشح، ويكثر الهرج).
• فالشح يؤدي إلى قطيعة الرحم، والظلم والبغي، والعدوان على الناس وغير ذلك.