(إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ) أي: إذا ارتكبتم النهي بعد وصوله إليكم، ورضيت الجلوس معهم في المكان الذي بكفر فيه بآيات الله ويستهزأ وينتقص بها، وأقررتموهم على ذلك، فقد شاركتموهم في الذي هم فيه، ولهذا قال (إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ) أي: في الماثم، كما جاء في الحديث (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يجلس على مائدة يدار عليها الخمر).
• والذي أحيل عليه في هذه الآية من النهي في ذلك هو قوله تعالى في سورة الأنعام وهي مكية (وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)
• قال القرطبي: فدل بهذا على وجوب اجتناب أصحاب المعاصي إذا ظهر منهم منكر؛ لأن من لم يجتنبهم فقد رضِي فعلهم، والرّضا بالكفر كفر؛ قال الله عزّ وجلّ (إِنَّكُمْ إِذاً مِّثْلُهُمْ) فكل من جلس في مجلس معصية ولم ينكِر عليهم يكون معهم في الوِزر سواء، وينبغي أن ينكِر عليهم إذا تكلموا بالمعصية وعمِلوا بها؛ فإن لم يقدر على النكِير عليهم فينبغي أن يقوم عنهم حتى لا يكون من أهل هذه الآية.
وإذا ثبت تجنّب أصحاب المعاصي كما بيّنا فتجنب أهل البدع والأهواء أولى.
• وقال ابن الجوزي: وقد نبّهت الآية على التحذير من مجالسة العصاة، قال إِبراهيم النخعي: إِن الرجل ليجلس في المجلس فيتكلم بالكلمة، فيرضى الله بها، فتصيبُه الرحمة فتعمُّ من حوله، وإِن الرجل ليجلس في المجلس، فيتكلم بالكلمة، فيسخط الله بها، فيصيبه السخط، فيعم من حوله.
• وقال ابن عاشور: وفي النهي عن القعود إليهم حكمة أخرى: وهي وجوب إظهار الغضب لله من ذلك كقوله (تُلْقُونَ إليهم بالمودّة وقد كَفروا بما جاءكم من الحقّ).
• قال البغوي: قوله تعالى تعالى (حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ) وإن خاضوا في حديث غيره فلا بأس بالقعود معهم مع الكراهة، وقال الحسن: لا يجوز القعود معهم وإن خاضوا في حديث غيره، لقوله تعالى (وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) والأكثرون على الأول. وآية الأنعام مكية وهذه مدنية والمتأخر أوْلَى.
(إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً) وذلك يوم القيامة.
• وفي الآية أن المنافقين أشد من الكفار، لأن الله بدأ بهم، وكذلك بدأ بهم في قوله تعالى (لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ)، فجميع الآيات التي فيها الجمع بين المنافقين والكفار يقدم الله فيها المنافقين، إلا في آية واحدة وهي قوله (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ) وذلك لأن جهاد الكفار يكون بالسلاح علناً، وجهاد المنافقين يكون بالعلم والبيان وليس بالقتال.