(الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ) يخبر تعالى عن المنافقين أنهم يتربصون بالمؤمنين دوائر السوء، بمعنى ينتظرون زوال دولتهم، وظهور الكفر عليهم، وذهاب ملتهم.
• التربص الانتظار كقوله تعالى (يتربصن بأنفسهم) أي: ينتظرن.
(فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ) أي: نصر وتأييد وظفَر وغنيمة.
(قَالُوا) أي: الذين آمنوا نفاقاً لكم أيها المؤمنون.
(أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ) أي: يتوددون إلى المؤمنين بهذه المقالة، أي: فأعطونا من الغنيمة.
(وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ) أي: إداة على المؤمنين في بعض الأحيان كما وقع يوم أحد، فإن الرسل تبتلى ثم يكون لها العاقبة.
(قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ) أي: ألم نغلبكم ونتمكن من قتلكم وأسركم فأبقينا عليكم.
(وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) بأن ثبطناهم عنكم، وتَوَاَنَيْنَا في مظاهرتهم حتى انتصرتم عليهم، وإلا لكنتم نهبة للنوائب.
• قال الرازي: وفي تفسير هذه الآية وجهان:
الأول: أن يكون بمعنى ألم نغلبكم ونتمكن من قتلكم وأسركم ثم لم نفعل شيئاً من ذلك ونمنعكم من المسلمين بأن ثبطناهم عنكم وخيلنا لهم ما ضعفت به قلوبهم وتوانينا في مظاهرتهم عليكم فهاتوا لنا نصيباً مما أصبتم.
الثاني: أن يكون المعنى أن أولئك الكفار واليهود كانوا قد هموا بالدخول في الإسلام، ثم إن المنافقين حذروهم عن ذلك وبالغوا في تنفيرهم عنه وأطعموهم أنه سيضعف أمر محمد وسيقوى أمركم، فإذا اتفقت لهم صولة على المسلمين قال المنافقون: ألسنا غلبنانكم على رأيكم في الدخول في الإسلام ومنعناكم منه وقلنا لكم بأنه سيضعف أمره ويقوى أمركم، فلما شاهدتم صدق قولنا فادفعوا إلينا نصيباً مما وجدتم.
والحاصل أن المنافقين يمنون على الكافرين بأنا نحن الذين أرشدناكم إلى هذه المصالح، فادفعوا إلينا نصيباً مما وجدتم.
• قال الرازي: فإن قيل: لم سمي ظفر المسلمين فتحاً وظفر الكفار نصيباً؟ قلنا: تعظيماً لشأن المؤمنين واحتقاراً لحظ الكافرين، لأن ظفر المؤمنين أمر عظيم تفتح له أبواب السماء حتى تنزل الملائكة بالفتح على أولياء الله، وأما ظفر الكافرين فما هو إلا حظ دنيء ينقضي ولا يبقى منه إلا الذم في الدنيا والعقوبة في العاقبة.