للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وَهُمْ يَعْلَمُونَ) أنهم مخطئون فيما ذهبوا إليه من تحريفه وتأويله؟ وهذا المقام شبيه بقوله تعالى (فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ).

(وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا) تقدم، قيل: المراد بهم المنافقين من اليهود، وقيل: هؤلاء ناس من اليهود آمنوا ثم نافقوا، قاله بعض السلف.

والمعنى: أن هذه الطائفة من المنافقين إذا اجتمعوا بالمؤمنين - النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه - (قَالُوا آمَنَّا) وذكروا لهم أنهم آمنوا، وبيّنوا لهم أن النبي المنتظر المبشر به، أن صفاته الموجودة في كتبهم منطبقة على هذا النبي -صلى الله عليه وسلم-.

(وَإِذَا خَلا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ) أي: وإذا انفرد واختلى بعضهم ببعض، ورجعوا إلى أصحابهم، وكان الموضع خالياً من المؤمنين.

(قَالُوا) يعني: أصحابهم الذين لم ينافقوا، قالوا منكرين على الذين نافقوا وموبخين لهم:

(أَتُحَدِّثُونَهُمْ) أي: أتحدِّثون المؤمنين وأصحابه.

(بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ) أي: بما بيّن الله لكم في التوراة من صفة محمد -صلى الله عليه وسلم-، وأن هذه صفاته، وأنها منطبقة عليه، وأنه لا شك فيه.

(لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ) بهذا الإقرار.

(عِنْدَ رَبِّكُمْ) أنكم أقررتم بأنكم تعرفون أنه الحق، يوم القيامة.

(أَفَلا تَعْقِلُونَ) هذا من بقية مقولهم لقومهم.

والمعنى أي: أفليست لكم عقول تمنعكم من أن تحدثوهم بما يكون لهم فيه حجة عليكم؟ والقائلون ذلك هم اليهود لمن نافق منهم.

• قال الرازي: قوله (أَفَلَا تَعْقِلُونَ) ففيه وجوه:

أحدها: أنه يرجع إلى المؤمنين فكأنه تعالى قال: أفلا تعقلون لما ذكرته لكم من صفتهم أن الأمر لا مطمع لكم في إيمانهم، وهو قول الحسن.

وثانيها: أنه راجع إليهم فكأن عند ما خلا بعضهم ببعض قالوا لهم أتحدثونهم بما يرجع وباله عليكم وتصيرون محجوجين به، أفلا تعقلون أن ذلك لا يليق بما أنتم عليه، وهذا الوجه أظهر لأنه من تمام الحكاية عنهم فلا وجه لصرفه عنهم إلى غيرهم.

• وهذا يدل على أنهم في غاية الجهل، لأنهم لو كتموه، أليس الله عالماً بما في ضمائرهم؟ ولذلك وبخهم الله بقوله:

(أَوَلا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ) أي: أولا يعلمون هؤلاء اليهود أن الله يعلم ما يخفونه وما يظهرونه، والمعنى: أن إسرارهم وإعلانهم عند الله سواء، لأن الله يعلم السر وأخفى، السر عنده علانية.

• فالله تعالى يعلم ما يسرونه ويبطنونه وما يعلنونه.

<<  <  ج: ص:  >  >>