ويكون الأماني - على هذا القول- جمع أُمْنِيَة، والأمنيَة هي: أن يود الإنسان ويطلب ما لا يمكن وقوعه أو ما يبعد وقوعه جداً، كقول الشاعر:
ألا ليت الشبابَ يعود يوماً … فأخبره بما فعل المشيبُ.
فهم يتمنون أماني فقط:
كقوله تعالى عنهم (وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ).
وقوله تعالى (وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً).
وقوله تعالى (وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ).
وهذا القول هو الراجح، وفي الآية قرينة تدل على هذا القول وهي قوله (ومنهم أميون) والأمي هو الذي لا يقرأ، فلو فسرتْ (إلا أماني) بمعنى إلا قراءة لصار في ذلك تعارض
(وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ) أي: ما هم على يقين من أمرهم بل هم مقلدون للآباء تقليد أهل العمى والغباء.
• قال الشنقيطي: والظن يطلق إطلاقين، يطلق على الشك، وهو المراد هنا، وكما في قوله -صلى الله عليه وسلم- (إياكم والظن … ) وهناك إطلاق آخر.
• ثم ذكر تعالى صنف آخر من اليهود وهم الدعاة إلى الضلال بالزور والكذب وأكل أموال الناس بالباطل فقال:
(فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ) أي: هلاك وعذاب لأولئك الذين حرفوا التوراة، وكتبوا تلك الآيات المحرفة بأيديهم.
• فمعنى (يكتبونه) أي: يكتبونه كتابة محرفة.
• الويل: قيل: واد في جهنم، وقيل: جبل من نار، وقيل: كلمة تهديد ووعيد.
• قوله تعالى (يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ) تأكيد، فإنه قد علم أن الكتْب لا يكون إلا باليد، فهو مثل قوله تعالى (وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ) وقوله تعالى (يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِمْ).
وقيل فائدة (بِأَيْدِيهِمْ) بيان لجرمهم وإثبات لمجاهرتهم، فإن من تولى الفعل أشد مواقعة ممن لم يتولى وإن كان رأياً له.
• قال في التسهيل: (بِأَيْدِيهِمْ) تحقيق لافترائهم.
• قال الشوكاني: وقوله (بِأَيْدِيهِمْ) تأكيد؛ لأن الكتابة لا تكون إلا باليد، فهو مثل قوله (وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ) وقوله (يَقُولُونَ بأفواههم).
(ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ) أي: ثم يقولون لأتباعهم الأميين هذا الذي تجدونه هو من نصوص التوراة التي أنزلها الله على
موسى، مع أنهم كتبوها بأيديهم ونسبوها إلى الله كذباً وزوراً.