للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ) أي من عادى جبريل فليعلم أنه الروح الأمين الذي نزل بالذكر الحكيم على قلبك من الله بإذنه، فهو رسول من رسل الله ملكي، ومن عادى رسولاً فقد عادى جميع الرسل، كما أن من آمن برسول يلزمه الإيمان بجميع الرسل، وكما أن من كفر برسول فإنه يلزمه الكفر بجميع الرسل، كما قال تعالى (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ … ) فحكم عليهم بالكفر المحقق إذا آمنوا ببعض الرسل وكفروا ببعضهم، وكذلك من عادى جبريل فإنه عدو لله، لأن جبريل لا ينزل بالأمر من تلقاء نفسه، وإنما ينزل بأمر ربه، كما قال تعالى (وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ. نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ. عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ).

• فقوله (فإنه) أي: جبريل، (نزّله) أي: نزّل القرآن، مع أن القرآن لم يسبق له ذكر، لكن عاد الضمير للقرآن، لأنه مفهوم من السياق كما في قوله تعالى (ما ترك على ظهرها من دابة) فحذفت الأرض لدلالة السياق عليها.

• قال الرازي: قوله تعالى (فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ على قَلْبِكَ) الهاء في قوله تعالى (فإنه) وفي قوله (نزله) إلى ماذا يعود؟

الجواب فيه قولان: أحدهما: أن الهاء الأولى تعود على جبريل والثانية: على القرآن وإن لم يجر له ذكر لأنه كالمعلوم كقوله (مَا تَرَكَ على ظَهْرِهَا مِن دَابَّةٍ) يعني على الأرض وهذا قول ابن عباس وأكثر أهل العلم، أي إن كانت عداوتهم لأن جبريل ينزل القرآن فإنما ينزله بإذن الله.

• قال القرطبي رحمه الله: وخص القلب بالذكر؛ لأنه موضع العقل والعلم وتلقي المعارف.

• قال الشنقيطي في قوله (فإنه نزله على قلبك): ظاهر هذه الآية أن جبريل ألقى القرآن على قلب النبي -صلى الله عليه وسلم- من غير سماع قراءة، ونظيرها في ذلك قوله تعالى: (نزل به الروح الأمين على قلبك) ولكنه بين في مواضع أخر أن معنى ذلك: أن الملك يقرؤه عليه حتى يسمعه منه، فتصل معانيه إلى قلبه بعد سماعه، وذلك هو معنى تنزيله على قلبه، وذلك كما في قوله تعالى: (لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ. إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ. فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ. ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ) وقوله: (فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً).

• قوله تعالى (بِإِذْنِ اللّهِ) فيه أن جبريل لا ينزل من عند نفسه بل ينزل بإذن الله.

(مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ) سبق الكلام عن معناه.

(وَهُدًى) أي: هدى لقلوبهم.

(وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ) وبشرى لهم بالجنة، وليس ذلك إلا للمؤمنين، كما قال تعالى: (قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفَاءٌ) وقال تعالى: (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ).

<<  <  ج: ص:  >  >>