وكما في حديث أم سلمة (أن النبي -صلى الله عليه وسلم- استيقظ ليلة فقال: سبحان الله! ماذا أنزل الليلة من الفتن، ما أنزل من الخزائن … ) رواه البخاري.
• والمراد بالملكين هؤلاء: ملكان أنزلا إلى الأرض وأذن لهما في تعليم السحر، وأنه جائز في حقهما، ابتلاء وامتحاناً للناس، بعدما بيّن لهم على ألسنة الرسل أن ذلك لا يجوز، فأكثر المفسرين على أن هاروت وماروت ملكان أُنزِلا إلى الأرض يعلمان السحر ابتلاء واختباراً للناس.
• وقد روي في سبب نزول هاروت وماروت إلى الأرض وما كان من أمرهما آثار غريبة جداً عن جمع من السلف، بل روي في ذلك حديث مرفوع إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- … وكل ذلك لا يصح وباطل، وكيف تصح والله يقول (لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) وقال (لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ).
• قوله تعالى (ببابل) اسم بلد في العراق.
• وقد جاءت روايات كثيرة إسرائيلية لا تصح فيما يتعلق بهذه الآية لا يصح منها شيء.
(وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ) أي: هؤلاء الملكين: هاروت وماروت.
(حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ) أي: يقولا له ناصحين ومحذرين (إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ) أي: إنما نحن في تعليمنا السحر ابتلاء وامتحان للناس، ليظهر مدى تمسكهم في دينهم (فَلا تَكْفُرْ) أي: فلا تكفر بتعلم السحر.
قال الحسن في تفسير الآية: نعَم، أنزل الملكان بالسحر ليعلما الناس البلاء الذي أراد الله أن يبتلي به الناس، فأخذ عليهما الميثاق أن لا يعلما أحداً حتى يقولا (إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ).
وقال قتادة: كان أخذ عليهما ألا يعلما أحداً حتى يقولا (إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ) أي: بلاء ابتلينا به (فلا تكفر).
• والفتنة الاختبار والابتلاء كما قال تعالى (إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ) أي: ابتلاؤك واختبارك، وتكون في الخير والشر كما قال تعالى (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً)
• والله عز وجل يبتلي عباده بما شاء ومن ذلك ابتلاء العباد بهذا السحر.
• فإن قيل: كيف ينزل السحر على الملكين ويعلمانه الناس والله يقول في شأن الملائكة (لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ).
الجواب الأول: أن هذا من قبيل الاختبار والابتلاء، فهؤلاء الملائكة كانوا يعلمون السحر ولم يكونوا يشتغلون به.
الجواب الثاني: أن هذا من العام المخصوص بمعنى أن عموم الملائكة صالحون مطيعون لله إلا أنه قد يكون فيهم من عصى.
قال ابن كثير: وذهب كثيرون من السلف إلى أنهما كانا ملكين من السماء، وأنهما أنزلا إلى الأرض، فكان أمرهما ما كان، وقد ورد في ذلك حديث مرفوع رواه الإمام أحمد ففي مسنده، وعلى هذا فيكون الجمع بين هذا وبين ما ثبت من الدلائل على عصمة الملائكة أن هذين سبق في علم الله لهما هذا، فيكون تخصيصاً لهما، فلا تعارض حينئذ، كما سبق في علمه من أمر إبليس ما سبق.