(لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ) أي: لأثابهم الله ثواباً أفضل مما شغلوا به أنفسهم من السحر.
• المثوبة: الأجر والجزاء، وسمي أجرهم وجزاؤهم بالمثوبة أخذاً من ثاب يثوب إذا رجع، لأن ثمرة عملهم رجعت إليهم.
• وفي وصف المثوبة بأنها من عند الله تعظيم وتفخيم لها، لأنها من عند الجواد الكريم، فلا يدرك قدر عظمتها إلا العظيم سبحانه، وأيضاً في ذلك تأكيد ضمانها، لأنها من عند الله، وهو الذي لا يخلف الميعاد.
(خَيْرٌ) أن ثواب الله إياهم على ذلك خير لهم من السحر ومما اكتسبوه به، (خير) من كل شيء، خيرية مطلقة، خير مما باعوا به أنفسهم من تعلم السحر وتعليمه، ومما يحصلون عليه من متاع الدنيا، والثمن القليل وغير ذلك.
(لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ) أي: لو كانوا من ذوي العلم النافع الذين ينتفعون بعلمهم.
وهذه الآية كقوله تعالى (وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً وَلا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ).
وقوله تعالى (بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا. والآخرة خير وأبقى).
وقال تعالى (وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى).
وقال تعالى (وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ).
وفي قوله (لو كانوا يعلمون) تأكيد لشدة جهلهم وعدم علمهم، وأن العلم الحقيقي الممدوح ما انتفع به صاحبه، وأن من أعظم الجهل ترك الحق بعد معرفته والعلم به، وهذا من أخص أوصاف اليهود، ولهذا استحقوا غضب الله ومقته.
فالمعنى الإجمالي: أن الشياطين في ذلك الزمن كانوا يسترقون السمع من السماء، ثم يضمون إلى ما سمعوا أكاذيب يلفقونها، ويلقونها إلى كهنة اليهود وأحبارهم، وقد دونها هؤلاء في كتب يقرؤونها، ويعلمونها الناس، وفشا ذلك في زمن سليمان -عليه السلام- حتى قالوا: هذا علم سليمان وما تم لسليمان ملكه إلا بهذا العلم، وبه يسخر الإنسان والجن والريح التي تجري بأمره، وهذا من افتراءات اليهود على الأنبياء، فأكذبهم الله بقوله (وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ) ثم عطف عليه: (وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ … ) فالمراد بما أنزل هو: علم السحر الذي نزلا ليعلماه الناس، حتى يحذروا منه، فالسبب في نزولهما هو: تعليم الناس أبواباً من السحر، حتى يعلم الناس الفرق بين السحر والنبوة، وأن سليمان لم يكن ساحراً، وإنما كان نبياً مرسلاً من ربه، وقد احتاط الملكان - عليهما السلام - غاية الاحتياط، فما كانا يعلمان أحداً شيئاً من السحر حتى يحذراه، ويقولا له:(إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ) أي بلاء واختبار، (فَلا تَكْفُرْ) بتعلمه والعمل به، وأما من تعلمه للحذر منه، وليعلم الفرق بينه وبين النبوة والمعجزة؛ فهذا لا شيء فيه، بل هو أمر مطلوب مرغوب فيه إذا دعت الضرورة إليه، ولكن الناس ما كانوا يأخذون بالنصيحة، بل كانوا يفرقون بين المرء وزوجه، وذلك بإذن الله ومشيئته.