قال الرازي: (حتى يَأْتِيَ الله بِأَمْرِهِ) وذكروا فيه وجوهاً:
أحدها: أنه المجازاة يوم القيامة عن الحسن.
وثانيها: أنه قوة الرسول وكثرة أمته.
وثالثها: وهو قول أكثر الصحابة والتابعين، إنه الأمر بالقتال لأن عنده يتعين أحد أمرين: إما الإسلام، وإما الخضوع لدفع الجزية وتحمل الذل والصغار.
وفي هذا دلالة على مراعاة التشريع الإسلامي للظروف والأحوال والتدريج في التشريع.
ذهب بعض العلماء إلى أن هذه الآية منسوخة.
والناسخ لها قوله تعالى (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ).
وقوله (قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ) وكذا قال ابن عباس وأبو العالية والربيع بن أنس وقتادة والسدي.
والصحيح أن هذا ليس من قبيل النسخ، لأمور:
أولاً: لأن هذه الآية وأشباهها مما أمر الله بالإعراض عن المشركين محمولة على وقت الضعف، والآيات الأمر بقتالهم محمولة على وقت القوة، وليست منسوخة.
ثانياً: أن الآية (فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حتى يأتي الله بأمره) مغياة بغاية ينتهي حكمها عند حلول تلك الغاية ولا يعد نسخاً.
(إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) أي: ذو قدرة تامة، لا يعجزه شيء كما قال تعالى (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيماً قَدِيراً)، وقال تعالى (وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِراً).
فهو سبحانه ذو قدرة تامة على كل شيء، يبدل الأحوال، ويأتي بأمره، ويعفو مع القدرة.