للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وثالثها: ابنياه ولا تدعا أحداً من أهل الريب والشرك يزاحم الطائفين فيه، بل أقراه على طهارته من أهل الكفر والريب، كما يقال: طهر الله الأرض من فلان، وهذه التأويلات مبنية على أنه لم يكن هناك ما يوجب إيقاع تطهيره من الأوثان والشرك، وهو كقوله تعالى (وَلَهُمْ فِيهَا أزواج مُّطَهَّرَةٌ) فمعلوم أنهن لم يطهرن من نجس بل خلقن طاهرات، وكذا البيت المأمور بتطهيره خلق طاهراً.

ورابعها: معناه نظفا بيتي من الأوثان والشرك والمعاصي، ليقتدي الناس بكما في ذلك.

وخامسها: قال بعضهم: إن موضع البيت قبل البناء كان يلقى فيه الجيف والأقذار فأمر الله تعالى إبراهيم بإزالة تلك القاذورات وبناء البيت هناك، وهذا ضعيف لأن قبل البناء ما كان البيت موجوداً فتطهير تلك العرصة لا يكون تطهيراً للبيت، ويمكن أن يجاب عنه بأنه سماه بيتاً لأنه علم أن مآله إلى أن يصير بيتاً ولكنه مجاز.

(للطَّائِفِينَ) الذين يطوفون بالكعبة.

قال في التسهيل: (لِلطَّائِفِينَ) هم الذين يطوفون بالكعبة، وقيل: الغرباء القادمون على مكة، والأول أظهر.

قال القرطبي عن القول الثاني: فيه بُعد.

لأن الأصل حمل الألفاظ الواردة في القرآن على المتبادر المشهور دون المعنى البعيد.

(وَالْعَاكِفِينَ) أي: للمعتكفين، وهذا اختيار ابن جرير رحمه الله.

والاعتكاف: لزوم مسجد لطاعة الله بنية.

وقد ذهب بعض العلماء إلى أن المراد بالعاكفين المقيمين فيه.

(وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) أي المصلون عند الكعبة.

قال القرطبي: وخص الركوع والسجود بالذكر؛ لأنهما أقرب أحوال المصلي إلى الله تعالى.

وقال الشوكاني: وخص هذين الركنين بالذكر؛ لأنهما أشرف أركان الصلاة.

• قال ابن جرير: فمعنى الآية: وأمرنا إبراهيم وإسماعيل بتطهير بيتي للطائفين، والتطهير الذي أمرهما به في البيت؛ هو تطهيره من الأصنام، وعبادة الأوثان فيه، ومن الشرك، ثم أورد سؤالاً، فقال: فإن قيل: فهل قبل بناء إبراهيم عند البيت شيء من ذلك الذي أمر بتطهيره منه؟

وأجاب بوجهين:

أحدهما: أنه أمرهما بتطهيره مما كان يعبد عند زمان قوم نوح من الأصنام والأوثان، ليكون ذلك سنة لمن بعدهما، قلت: وهذا الجواب مفرغ على أنه كان يعبد عنده أوثان قبل إبراهيم -عليه السلام-، ويحتاج إثبات هذا إلى دليل عن المعصوم -صلى الله عليه وسلم-.

الثاني: أنه أمرهما أن يخلصا في بنائه لله وحده لا شريك له، فيبنياه مطهراً من الشرك والريب.

وملخص هذا الجواب: أن الله تعالى أمر إبراهيم وإسماعيل - عليهما السلام - أن يبنيا الكعبة على اسمه وحده لا شريك له للطائفين به والعاكفين عنده، المصلين إليه من الركع السجود.

<<  <  ج: ص:  >  >>