قال الرازي عن هذا التخصيص (من آمن بالله واليوم الآخر) بقوله: وسبب هذا التخصيص النص والقياس، أما النص فقوله تعالى (فَلَا تَأْسَ عَلَى القوم الكافرين) وأما القياس فمن وجهين:
الوجه الأول: أنه لما سأل الله تعالى أن يجعل الإمامة في ذريته، قال الله تعالى (لَا يَنَالُ عَهْدِي الظالمين) فصار ذلك تأديباً في المسألة، فلما ميز الله تعالى المؤمنين عن الكافرين في باب الإمامة، لا جرم خصص المؤمنين بهذا الدعاء دون الكافرين ثم أن الله تعالى أعلمه بقوله (فَأُمَتّعُهُ قَلِيلاً) الفرق بين النبوة ورزق الدنيا، لأن منصب النبوة والإمامة لا يليق بالفاسقين، لأنه لا بد في الإمامة والنبوة من قوة العزم والصبر على ضروب المحنة حتى يؤدي عن الله أمره ونهيه ولا تأخذه في الدين لومة لائم وسطوة جبار، أما الرزق فلا يقبح إيصاله إلى المطيع والكافر والصادق والمنافق، فمن آمن فالجنة مسكنه ومثواه، ومن كفر فالنار مستقره ومأواه.
الوجه الثاني: يحتمل أن إبراهيم ـ عليه السلام ـ قوي في ظنه أنه إن دعا للكل كثر في البلد الكفار فيكون في غلبتهم وكثرتهم مفسدة ومضرة من ذهاب الناس إلى الحج، فخص المؤمنين بالدعاء لهذا السبب.
• كثيراً ما يقرن الله بين الإيمان بالله والإيمان باليوم الآخر، وذلك لأن الإيمان باليوم الآخر من أعظم الحوافز التي تدفع الإنسان للعمل الصالح، حيث الجزاء على الأعمال في ذلك اليوم، فهو أعظم دافع إلى العمل الصالح، وهو أعظم رادع على التمادي في الباطل لمن وفقه الله تعالى.
(قَالَ) الله جواباً له.
(وَمَنْ كَفَرَ) أي: قال الله: وأرزق من كفر؛ لأن الله يرزق في الدنيا المؤمن والكافر.
• قال الشوكاني: وقوله (وَمَن كَفَرَ) الظاهر أن هذا من كلام الله سبحانه ردّاً على إبراهيم حيث طلب الرزق للمؤمنين دون غيرهم، أي: وارزق من كفر، فأمتعه بالرزق قليلاً، ثم أضطره إلى عذاب النار.
(فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً): والمتاع: ما يتمتع به ثم يزول، وذلك بموت الإنسان.
• والقلة هنا: تتناول الزمان، وتتناول عين الممتّع، فالزمن قصير، فمهما طال بالإنسان العمر فهو قليل (كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا)، وكذلك عين الممتع به قليل، فكل ما يحصل للإنسان من هذه الدنيا من اللذة والمتاع قليل بالنسبة للآخرة كما في الحديث (لموضع سوطٍ في الجنة خير من الدنيا وما فيها).
(ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ) أي: ألجئه بعد متاعه في الدنيا وبسطنا عليه من ظلها إلى عذاب النار.
(وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) أي: وبئس النار المآل والمرجع للكافر.